الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وإن جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه صح ) أي لو شرط عند الإيقاف ذلك اعتبر شرطه أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف ولا يجوز على قياس قول [ ص: 238 ] محمد من اشتراط التسليم إلى المتولي عنده وقيل إن الاختلاف بينهما بناء على اشتراط القبض والإفراز وقيل هي مسألة مبتدأة فالخلاف فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حياته وبعده للفقراء .

                                                                                        وجه قول محمد إن الوقف شرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه فاشتراطه الكل أو البعض لنفسه يبطله لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة المنفذة وشرط بعض بقعة المسجد لنفسه ولأبي يوسف ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من صدقته والمراد منها صدقته الموقوفة ولا يحل الأكل منه إلا بالشرط فدل على صحته ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة على ما بيناه فإذا شرط البعض أو الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكا لله تعالى لنفسه لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه وهذا جائز كما إذا بنى خانا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة وشرط أن ينزله أو يشرب منه أو يدفن فيه ولأن مقصوده القربة وفي الصرف إلى نفسه ذلك قال عليه السلام { نفقة الرجل على نفسه صدقة } .

                                                                                        وفي فتح القدير فقد ترجح قول أبي يوسف قال الصدر الشهيد والفتوى على قول أبي يوسف ونحن أيضا نفتي بقوله ترغيبا للناس في الوقف واختاره مشايخ بلخ وكذا ظاهر الهداية حيث أخر وجهه ولم يدفعه ومن صور الاشتراط لنفسه ما لو قال أن يقضي دينه من غلته وكذا إذا قال إذا حدث علي الموت وعلي دين يبدأ من غلة هذا الوقف بقضاء ما علي فما فضل فعلى سبيله كل ذلك جائز وفي وقف الخصاف فإذا شرط أن ينفق على نفسه وولده وحشمه وعياله من غلة هذا الوقف فجاءت غلته فباعها وقبض ثمنها ثم مات قبل أن ينفق ذلك هل يكون ذلك لورثته أو لأهل الوقف قال يكون لورثته لأنه قد حصل ذلك وكان له فقد عرف أن شرط بعض الغلة لا يلزم كونه بعضا معينا كالنصف والربع .

                                                                                        وكذلك إذا قال إن حدث على فلان الموت يعني الواقف نفسه أخرج من غلة هذا الوقف في كل سنة من عشرة أسهم مثلا سهم يجعل في الحج عنه أو في كفارة أيمانه وفي كذا وكذا وسمى أشياء أو قال أخرج من هذه الصدقة في كل سنة كذا وكذا درهما ليصرف في هذه الوجوه ويصرف الباقي في كذا وكذا على ما سبله . ا هـ .

                                                                                        وفي الحاوي القدسي المختار للفتوى قول أبي يوسف ترغيبا للناس في الوقف وتكثيرا للخير ويتفرع على هذا الاختلاف أيضا ما لو وقف على عبيده وإمائه فعند محمد لا يجوز وعند أبي يوسف يجوز كشرطه لنفسه وفرع بعضهم عليه أيضا اشتراط الغلة لمدبريه وأمهات أولاده وهو ضعيف والأصح أنه صحيح اتفاقا والفرق لمحمد أن حريتهم ثبتت بموته فيكون الوقف عليهم كالوقف على الأجانب ويكون ثبوته لهم حال حياته تبعا لما بعد موته فما في الهداية والمجتبى من تصحيح أنها على الخلاف ضعيف قيد بجعل الغلة لنفسه لأنه لو وقف على نفسه قال أبو بكر الإسكاف لا يجوز وعن أبي يوسف جوازه وإذا مات صار إلى المساكين ولو قال أرضي صدقة موقوفة على أن لي غلتها ما عشت قال هلال لا يجوز هذا الوقف وذكر الأنصاري جوازه وإذا مات يكون للفقراء كذا في الخانية وفيها لو وقف وقفا واستثنى لنفسه أن يأكل منه ما دام حيا ثم مات وعنده من هذا الوقف معاليق عنب أو زبيب فذلك كله مردود إلى الوقف ولو كان عنده خبز من بر ذلك الوقف يكون ميراثا لأن ذلك ليس من الوقف حقيقة . ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن المعتمد صحة الوقف على النفس واشتراط أن تكون الغلة له فما في الخانية من أنه لو وقف على نفسه وعلى فلان صح نصفه وهو حصة فلان وبطل حصة نفسه ولو قال على نفسي ثم على فلان أو قال على فلان ثم على نفسي لا يصح شيء منه ولو قال على عبدي وعلى فلان صح في النصف وبطل في النصف ولو قال على نفسي وولدي ونسلي فالوقف كله باطل لأن حصة النسل مجهولة ا هـ .

                                                                                        [ ص: 239 ] مبني على القول الضعيف والعجب منه كيف جزم به وساقه على طريقة الاتفاق أو الصحيح ثم اعلم أن الاعتبار في الشروط لما تكلم به الواقف لا لما كتب في مكتوب الوقف فلو أقيمت بينة بشرط تكلم به الواقف ولم يوجد في المكتوب عمل به لما في البزازية وقد أشرنا أن الوقف على ما تكلم به لا على ما كتب الكاتب فيدخل في الوقف المذكور وغير المذكور في الصك أعني كل ما تكلم به ا هـ .

                                                                                        ولا خلاف في اشتراط الغلة لولده فإذا وقف على ولده شمل الذكر و الأنثى وإن قيده بالذكر لا تدخل الأنثى كالابن ولا شيء لولد الولد مع وجود الولد فإن لم يوجد له ولد كانت لولد الابن ولا يدخل ولد البنت في الوقف على الولد مفردا وجمعا في ظاهر الرواية وهو الصحيح المفتى به ولو وقف على ولده وولد ولده اشترك ولده وولد ابنه وصحح قاضي خان دخول أولاد البنات فيما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده وصحح عدمه في ولدي ولو قال على ولدي فمات كانت للفقراء ولا تصرف إلى ولد ولده في كل بطن إلا بالشرط إلا إذا ذكر البطون الثلاثة فإنها لا تصرف إلى الفقراء ما بقي أحد من أولاده وإن سفل ولو وقف على ولديه ثم على أولادهما فمات أحدهما كان للآخر النصف ونصف الميت للفقراء لا لولده فإذا مات الآخر صرف الكل إلى أولاد الأولاد ولو وقف على ولده وليس له إلا ولد ابن كانت له فإن حدث له ولد كانت له ولو وقف على محتاجي ولده وليس له إلا ولد محتاج كان النصف له والآخر للفقراء ولو وقف على أولاده فماتوا إلا واحدا كان الكل له لا للفقراء إلا بعد موته .

                                                                                        ولو عين الأولاد فكل من مات كان نصيبه للفقراء لا لأخواته بغير شرط ولو وقف على أولاده وليس له إلا واحدا أو على بنيه وليس له إلا ابن واحد كان النصف له والنصف للفقراء هكذا سوى بين الأولاد والأبناء في الخانية وفرق بينهما في فتح القدير فقال في الأولاد يستحق الواحد الكل وفي البنين لا يستحق الكل وقال كأنه مبني على العرف وقد علمت أن المنقول خلافه ولو وقف على بنيه لا تستحق البنات كعكسه وبقية التفاريع المتعلقة بالوقف على الأولاد والأقارب معلومة في الخصاف وغيره

                                                                                        [ ص: 239 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 239 ] ( قوله والعجب منه كيف جزم به إلخ ) قال الرملي أقول : كيف يتجه له القطع بكونه ضعيفا وقد قدم في شرح قوله ولا يتم أن أكثر فقهاء الأمصار أخذوا بقول محمد أن الفتوى عليه فالعجب ممن وصفه بالضعف مع ما يقضي بوصف القوة تأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت : لا يلزم من إفتائهم بقول محمد بلزوم القبض والإفراز إفتاؤهم بقوله بعدم صحة الوقف على النفس ولا سيما إن قلنا إنه مسألة مبتدأة غير مبنية على اشتراط القبض والإفراز لكن لم يذكر المؤلف ما يدل على تصحيح قول أبي يوسف في صحة الوقف على النفس ولعله جعل التصحيح المنقول في اشتراط الغلة لنفسه تصحيحا لهذا تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية