الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( 4 ) ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ( 5 ) )

يقول تعالى ذكره : يحذر أيضا محمد القوم ( الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) من مشركي قومه وغيرهم ، بأس الله وعاجل نقمته ، وآجل عذابه ، على قيلهم ذلك .

كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) يعني قريشا في قولهم : إنما نعبد الملائكة ، وهن بنات الله ، وقوله : ( ما لهم به من علم ) يقول : ما لقائلي هذا القول ، يعني قولهم ( اتخذ الله ولدا ) ( به ) : يعني بالله من علم ، والهاء في قوله ( به ) من ذكر الله .

وإنما معنى الكلام : ما لهؤلاء القائلين هذا القول بالله إنه لا يجوز أن يكون له ولد من علم ، فلجهلهم بالله وعظمته قالوا ذلك .

وقوله ( ولا لآبائهم ) يقول : ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل الذي هم عليه اليوم ، كان لهم بالله وبعظمته علم ، وقوله : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدنيين والكوفيين والبصريين : ( كبرت كلمة ) بنصب كلمة بمعنى : كبرت كلمتهم التي قالوها كلمة على التفسير ، كما يقال : نعم رجلا عمرو ، ونعم الرجل رجلا قام ، ونعم رجلا قام ، وكان [ ص: 596 ] بعض نحويي أهل البصرة يقول : نصبت كلمة لأنها في معنى : أكبر بها كلمة ، كما قال جل ثناؤه ( وساءت مرتفقا ) وقال : هي في النصب مثل قول الشاعر :


ولقد علمت إذا اللقاح تروحت هدج الرئال تكبهن شمالا



أي تكبهن الرياح شمالا فكأنه قال : كبرت تلك الكلمة ، وذكر عن بعض المكيين أنه كان يقرأ ذلك : ( كبرت كلمة ) رفعا ، كما يقال : عظم قولك وكبر شأنك . وإذا قرئ ذلك كذلك لم يكن في قوله ( كبرت كلمة ) مضمر ، وكان صفة للكلمة .

والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : ( كبرت كلمة ) نصبا لإجماع الحجة من القراء عليها ، فتأويل الكلام : عظمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء القوم الذين قالوا : اتخذ الله ولدا ، والملائكة بنات الله .

كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) قولهم : إن الملائكة بنات الله ، وقوله : ( إن يقولون إلا كذبا ) يقول عز ذكره :

ما يقول هؤلاء القائلون اتخذ الله ولدا بقيلهم ذلك إلا كذبا وفرية افتروها على الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية