الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 355 ] فصل في ولاء الموالاة قال : ( وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه [ ص: 356 ] أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه فإن مات ولا وارث له غيره فميراثه للمولى ) وقال الشافعي رحمه الله : الموالاة ليست بشيء ; لأن فيه إبطال حق بيت المال ، ولهذا لا يصح في حق وارث آخر ، ولهذا لا يصح عنده الوصية لجميع المال وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال ، وإنما يصح في الثلث . ولنا قوله تعالى: { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم }والآية في الموالاة { وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه : فقال هو أحق الناس به محياه ومماته }وهذا يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين ; ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث شاء والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا أنه مستحق .

                                                                                                        قال : ( وإن كان له وارث فهو أولى منه وإن كانت عمة أو خالة أو غيرهما من ذوي الأرحام ) ; لأن الموالاة عقدهما فلا يلزم غيرهما وذو الرحم [ ص: 357 ] وارث ، ولا بد من شرط الإرث والعقل كما ذكر في الكتاب ; لأنه بالالتزام وهو بالشرط ومن شرطه أن لا يكون المولى من العرب ; لأن تناصرهم بالقبائل فأغنى عن الموالاة .

                                                                                                        قال : ( وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غير ما لم يعقل عنه ) ; لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية ، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل قصدا ، بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول ; لأنه فسخ حكمي بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة .

                                                                                                        قال : ( وإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره ) ; لأنه تعلق به حق الغير ; ولأنه قضى به القاضي ; ولأنه بمنزلة عوض ناله كالعوض في الهبة وكذا لا يتحول ولده وكذا إذا عقل عن ولده لم يكن لكل واحد منهما أن يتحول ; لأنهم في حق الولاء كشخص واحد . .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثامن : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلم على يد آخر ، ووالاه ، فقال : هو أحق الناس به ، محياه ومماته }; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة في " كتبهم في الفرائض " ، فأبو داود عن يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، قال : سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن { تميم الداري ، قال : يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد رجل من المسلمين ؟ قال : [ ص: 356 ] هو أولى الناس بمحياه ومماته }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الترمذي عن أبي أسامة ، وابن نمير ، ووكيع ثلاثتهم عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري ، فذكره ، وقال : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن موهب ، ويقال : وهب عن تميم الداري ، وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب ، وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب ، هكذا رواه يحيى بن حمزة ، وهو عندي ليس بمتصل انتهى . وأخرجه النسائي عن أبي إسحاق عن عبد الله بن وهب عن تميم نحوه .

                                                                                                        وعن عبد الله بن داود عن عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن موهب عن تميم نحوه ; وأخرجه ابن ماجه عن وكيع عن عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن موهب عن تميم نحوه ، وأخرجه الحاكم في " المستدرك في كتاب المكاتب " عن عبد الله بن وهب القرشي عن قبيصة بن ذؤيب عن { تميم الداري ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يسلم على [ ص: 357 ] يد الرجل ، فقال : هو أولى الناس بمحياه ومماته }انتهى .

                                                                                                        وقال : على شرط مسلم ، وعبد الله بن موهب هو ابن زمعة انتهى . وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : لم يخرج له إلا ابن ماجه فقط ; ثم هو وهم من الحاكم ، فإن ابن زمعة لم يرو عن تميم الداري ; وصوابه عبد الله بن موهب ، وكذا جاء في " كتاب النسائي " عن عبد الله بن وهب ، انتهى كلامه . ورواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، والدارمي وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " بالسند المنقطع فقط ; وكذلك الدارقطني في " سننه " ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في الولاء " حدثنا ابن المبارك أخبرني عبد العزيز بن عمر عن عبد الله بن وهب عن تميم ، وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا في " الفرائض " [ ص: 358 ] فقال : باب " إذا أسلم على يديه " ، ويذكر عن تميم الداري رفعه ، { قال : هو أولى الناس به ، محياه ومماته } ، وقد اختلفوا في صحة هذا الخبر انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن يحيى بن حمزة بسند أبي داود . ثم أخرجه عن حفص بن غياث عن عبد العزيز بن عمر بسند الترمذي ، قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي ; هذا حديث ليس عندنا بثابت ، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري ، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ، ولا لقي تميما فيما نعلم . ومثل هذا لا يثبت عندنا ، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي : هذا خطأ ، ابن موهب لم يسمع من تميم ، ولا لحقه انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " كتاب مناقب الشافعي " : وقد صرح بعض الرواة فيه بسماع ابن موهب من تميم ، وضعفه البخاري ، وأدخل بعضهم بينه وبين تميم قبيصة ، وهو أيضا ضعيف ، وقد بيناه في " كتاب السنن " انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : وعلة هذا الحديث الجهل بحال عبد الله بن موهب ، فإنه لا يعرف حاله ، وكان قاضي فلسطين ، ولم يعرفه ابن معين ، وقد اختلفوا فيه على عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، فرواه الترمذي من حديث أبي أسامة ، وابن نمير ، ووكيع عنه عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري ; ورواه يحيى بن حمزة عنه ، فأدخل بينهما قبيصة بن ذؤيب ، وهو الأصوب ، وعبد العزيز هذا ليس به بأس ، والحديث من أجل عبد الله بن موهب هذا لا يصح انتهى كلامه . وقال الخطابي : وقد ضعف أحمد بن حنبل هذا الحديث ، وقال : [ ص: 359 ] إن راويه عبد العزيز ليس من أهل الحفظ والإتقان ، وقال ابن المنذر : لم يروه غير عبد العزيز بن عمر ، وهو شيخ ليس من أهل الحفظ ، وقد اضطربت روايته فيه ; قلت : عبد العزيز هذا من رجال " الصحيحين " ، وقال ابن معين : ثقة ، روى يسيرا ; وقال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال أبو نعيم : ثقة ، وقال ابن عمار : ثقة ، لا اختلاف فيه . أحاديث الباب : روى الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " من حديث معاوية بن يحيى الصدفي عن القاسم بن عبد العزيز عن أبي أمامة ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أسلم على يديه رجل ، فولاؤه له }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بمعاوية بن يحيى ، وأسند تضعيفه عن ابن معين ، والنسائي ، وابن المديني ، ووافقهم ، وقال : في رواياته نظر انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي أيضا من حديث جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة ، وأعله بجعفر بن الزبير ، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن عدي ، وقال : جعفر متروك ، وكان رجلا صالحا انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " حدثنا بقية بن الوليد حدثني كثير بن مرة النهراني ثنا شيخ من باهلة { عن عمرو بن العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن رجلا أسلم على يدي ، وله مال ، وقد مات ، قال : فلك ميراثه }انتهى .

                                                                                                        ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في " معجمه " . أثر :

                                                                                                        رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه في الديات " حدثنا عبد السلام بن حرب عن خصيف عن مجاهد أن رجلا أتى عمر ، فقال : إن رجلا أسلم على يدي ، فمات وترك ألف درهم ، فتحرجت منها ، فقال : أرأيت لو جنى جناية على من تكون ؟ قال : علي ، قال : فميراثه لك انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية