الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا كله تأسية للداعي صلى الله عليه وسلم ، وتهديدا لمن تمادى على تكذيبه ، وترجية لمن رجع عن ذنوبه ، أشار إلى ذلك بقوله : وإن ربك أي : المحسن إليك بكل ما يعلي شأنك ، ويوضح برهانك لهو العزيز فلا يعجزه أحد ، ولا ينسب في إمهال عاص إلى إهمال ولا عجز الرحيم فلا يأخذ إلا بعد تجاوز الحد ، واليأس عن الرد ، مع البيان الشافي ، في الإبلاغ الوافي ، والتلطف الكافي ، وكرر الختام بهذا الكلام في هذه السورة ثماني مرات فلعل من أسراره الإشارة إلى سبق الرحمة للغضب ، لأن من السورة المفتتحة بالكتاب القيم والعبد الكامل بالإضافة إلى الملك الأعظم اللذين هما رحمة الخالق للخلائق ، وذكر فيها [مع تقديمها في الترهيب] أهل الرحمة من أهل الكهف [ ص: 94 ] الذين قالوا وهب لنا من لدنك رحمة [ وموسى والخضر عليهما السلام اللذين آتى كلا منهما من لدنه رحمة] ، وذا القرنين الذي آتاه من كل شيء سببا فأتبع سببا وقال : هذا رحمة من ربي -إلى سورة الرحمة بإنزال الفرقان على عبده المضاف إليه للإنذار المؤذن بصفة العزة- ثماني سور ، فكل منهما ثامنة الأخرى ، وافتتحت السورة الوالية للفرقان تفصيلا لما في أول الكهف بقوله : لعلك باخع نفسك وبذكر ما على الأرض من زينة أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم كل ذلك تذكيرا بما في تلك من الكتاب الجامع بالرحمة ، وتحذيرا مما في القرآن من الإنذار الفارق بالعزة ، فلما كان ذلك كررت صفتا العزة التي أذنت بها الفرقان ، والرحمة التي صرحت بها الكهف ثماني مرات بحسب ذلك العدد ، تذكيرا بهذا المعنى البديع ، وترغيبا وترهيبا وتذكيرا بأبواب الرحمة الثمانية مع ما لختم القصص بذلك من الروعة في النفس ، والهيبة في القلب ، والأنس البالغ للروح ، [وقدمت هنا صفة العزة الناظرة للإنذار بالفرقان على طريق النشر المشوش مع ما اقتضى ذلك من الحال هنا] وجعلت القصص سبعا تحذيرا من أبواب النقمة السبعة إلى غير ذلك من الأسرار التي لا تسعها الأفكار.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية