الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإن أكره على الكفر بالله تعالى والعياذ بالله أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراها حتى يكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه ) ; لأن الإكراه بهذه الأشياء ليس بإكراه في شرب الخمر لما مر ، ففي الكفر وحرمته أشد وأولى وأحرى .

                                                                                                        قال : ( وإذا خاف على ذلك وسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري ، فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه ) لحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه حين ابتلي به وقد { قال له النبي عليه الصلاة والسلام : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئنا بالإيمان . فقال عليه الصلاة والسلام فإن عادوا فعد }وفيه نزل قوله تعالى: { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }الآية ; ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه . [ ص: 365 ] قال : ( فإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا ) ; لأن خبيبا رضي الله عنه صبر على ذلك حتى صلب وسماه رسول الله عليه الصلاة والسلام سيد الشهداء . وقال في مثله : { هو رفيقي في الجنة }; ولأن الحرمة باقية والامتناع لإعزاز الدين عزيمة بخلاف ما تقدم للاستثناء . .

                                                                                                        [ ص: 362 - 364 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 362 - 364 ] الحديث الأول : حديث { عمار بن ياسر ، لما ابتلي بالإكراه ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف وجدت قلبك ؟ فقال : مطمئنا بالإيمان ، قال : فإن عادوا فعد }; قلت : رواه الحاكم في " المستدرك في تفسير سورة النحل " من حديث عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه ، قال { : أخذ المشركون عمار بن ياسر ، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ، ثم تركوه . فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له عليه السلام : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير ، قال : فكيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئنا بالإيمان ، قال : فإن عادوا فعد }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وكذلك رواه البيهقي في " المعرفة " ، وأبو نعيم في " الحلية في ترجمة عمار " ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أنا معمر عن عبد الكريم الجزري به .

                                                                                                        وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده في مسند عمار بن ياسر " . ولم يعزه شيخنا علاء الدين ، مقلدا لغيره إلا للاستيعاب . [ ص: 365 ]

                                                                                                        الحديث الثاني : روي أن { خبيبا رضي الله عنه صبر على إكراه حتى صلب ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء ، وقال فيه : هو رفيقي في الجنة }: قلت : غريب . وقتل خبيب في " صحيح البخاري " في مواضع ، وليس فيه أنه صلب ، ولا أنه أكره ، ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه سيد الشهداء ، ولا قال فيه : هو رفيقي في الجنة ، أخرجه في " الجهاد " عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة ، قال { : بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ، ذكروا لحي من هذيل : يقال لهم بنو لحيان ، فتبعوهم بقريب من مائة رجل رام ، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه ، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة ، فقالوا : هذا تمر يثرب ، فتتبعوا آثارهم حتى لحقوهم ، فلما انتهى عاصم ، وأصحابه لجئوا إلى فدفد ، وجاء القوم فأحاطوا بهم ، فقالوا : لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا ، قال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك ، فقاتلوهم فرموهم ، حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل ، وبقي خبيب ، وزيد بن الدثنة ، ورجل آخر ، فأعطوهم العهد والميثاق ، فنزلوا إليهم ، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها ، فقال الرجل الثالث الذي معهما : هذا أول الغدر ، فأبى أن يصحبهم ، فجرروه ، وعالجوه على أن يصحبهم ، [ ص: 366 ] فلم يفعل ، فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب ، وزيد حتى باعوهما بمكة ، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان خبيب قتل الحارث يوم بدر ، فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها ، فأعارته ، قالت : فغفلت عن صبي لي قد رجع إليه ، حتى أتاه ، فوضعه على فخذه ، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني ، وفي يده الموسى ، فقال : أتخشين أن أقتله ؟ ، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله ، وكانت تقول : ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، لقد رأيته يوما يأكل من قطف عنب ، وما بمكة يومئذ ثمرة ، وإنه لموثق في الحديد ، وما كان إلا رزقا رزقه الله ، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين ، فصلى ، ثم رجع إليهم ، فقال : لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت ، فكان أول من سن الركعتين عند [ ص: 367 ] القتل هو ، ثم قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا ، ثم قال :

                                                                                                        ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                                                                        يبارك على أوصال شلو ممزع

                                                                                                        ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله ، وبعثت قريش إلى عاصم بن ثابت ليأتوا بشيء من جسده يعرفونه ، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر ، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر ، فحمته من رسلهم ، فلم يقدروا منه على شيء
                                                                                                        }انتهى .

                                                                                                        قال عبد الحق : وقصة خبيب كانت في غزوة الرجيع ، وغزوة الرجيع كانت بعد أحد ، وأخرجه أبو داود ، والنسائي عن عمرو بن جارية الثقفي عن أبي هريرة ، فذكره ، لكن ورد أنه أكره ، ذكره الواقدي في " المغازي " ، فقال بعد أن رواه بلفظ البخاري مطولا : وحدثني قدامة بن موسى عن عبد العزيز بن زمامة عن عروة بن الزبير { عن نوفل بن معاوية الديلي ، قال : لما صلى خبيب الركعتين حملوه إلى خشبة ، فأوثقوه رباطا ، ثم قالوا له : ارجع عن الإسلام ، قال : لا والله لا أفعل ، ولو أن لي ما في الأرض جميعا . قال : فجعلوا يقولون له : ارجع عن الإسلام ، وهو يقول : والله لا أرجع أبدا ، فقالوا له : واللات والعزى لئن لم تفعل لنقتلنك ، قال : إن قتلي في الله لقليل ، ثم قال : اللهم إني لا [ ص: 368 ] أرى هنا إلا وجه عدو ، وليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام ، فبلغه أنت عني السلام } ، قال : وحدثني أسامة بن زيد عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع أصحابه ، إذ قال : وعليه السلام ورحمة الله ، فقيل له في ذلك ، فقال : هذا جبرائيل يقرئني السلام من خبيب ، قال : ثم دعوا من أبناء من قتل ببدر أربعين غلاما ، فقالوا لهم : هذا الذي قتل أباكم ، فطعنوه برماحهم حتى قتلوه ، قال : وكان عقبة بن الحارث يقول : والله ما أنا بالذي قتلت خبيبا ، إن كنت يومئذ لغلاما صغيرا ، ولكن رجلا من بني عبد الدار يقال له : أبو ميسرة أمسك بيدي على الحربة ، ثم جعل يطعنه حتى قتله }انتهى .

                                                                                                        والمعروف في قوله عليه السلام : " سيد الشهداء " أنه في حمزة رواه الحاكم في " المستدرك في الفضائل " [ ص: 369 ] من حديث جابر ; ومن حديث علي . فحديث جابر :

                                                                                                        أخرجه من طريقين : أحدهما عن حميد الصفار عن إبراهيم الصائغ عن عطاء بن أبي رباح عن جابر { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي في " مختصره " فقال : حميد الصفار لا يدرى من هو انتهى . الثاني : عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة } ، وذكر فيه قصة ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى . وأقره الذهبي عليه . وحديث علي :

                                                                                                        أخرجه هو ، والطبراني في " معجمه " عن أبي إسحاق الشيباني عن علي بن حزور عن الأصبغ بن نباتة عن علي قال { : إن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله الرسل ، وأفضل الناس بعد الرسل الشهداء ، وأفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، وقد تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب }انتهى . وسكت عنه . [ ص: 370 ]

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        ورد نحو ذلك في بلال ، رواه البزار في " مسنده " من حديث زيد بن أرقم { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم المرء بلال ، وهو سيد الشهداء . والمؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة } ، وينظر بقية السند والمتن .




                                                                                                        الخدمات العلمية