الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 641 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( 22 ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ( 23 ) )

يقول تعالى ذكره : سيقول بعض الخائضين في أمر الفتية من أصحاب الكهف ، هم ثلاثة رابعهم كلبهم ، ويقول بعضهم : هم خمسة سادسهم كلبهم ( رجما بالغيب ) : يقول : قذفا بالظن غير يقين علم ، كما قال الشاعر :


وأجعل مني الحق غيبا مرجما



وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ) : أي قذفا بالغيب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( رجما بالغيب ) قال : قذفا بالظن .

وقوله ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ) يقول : ويقول بعضهم : هم سبعة وثامنهم كلبهم .

( قل ربي أعلم بعدتهم ) يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لقائلي هذه الأقوال في عدد الفتية من أصحاب الكهف رجما منهم بالغيب : ( ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم ) يقول : ما يعلم عددهم ( إلا قليل ) من خلقه . [ ص: 642 ]

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما يعلمهم إلا قليل ) يقول : قليل من الناس .

وقال آخرون : بل عنى بالقليل : أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ( ما يعلمهم إلا قليل ) قال : يعني أهل الكتاب ، وكان ابن عباس يقول : أنا ممن استثناه الله ، ويقول : عدتهم سبعة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( ما يعلمهم إلا قليل ) قال : أنا من القليل ، كانوا سبعة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله ، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : قال ابن عباس : عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم ، وأنا ممن استثنى الله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( ما يعلمهم إلا قليل ) قال : كان ابن عباس يقول : أنا من القليل ، هم سبعة وثامنهم كلبهم .

وقوله : ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فلا تمار يا محمد : يقول : لا تجادل أهل الكتاب فيهم ، يعني في عدة أهل الكهف ، وحذفت العدة اكتفاء بذكرهم فيها لمعرفة السامعين بالمراد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( فلا تمار فيهم ) قال : لا تمار في عدتهم .

وقوله : ( إلا مراء ظاهرا ) اختلف أهل التأويل في معنى المراء الظاهر الذي استثناه الله ، ورخص فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : هو ما قص [ ص: 643 ] الله في كتابه أبيح له أن يتلوه عليهم ، ولا يماريهم بغير ذلك .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) يقول : حسبك ما قصصت عليك فلا تمار فيهم .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) يقول : إلا بما قد أظهرنا لك من أمرهم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) : أي حسبك ما قصصنا عليك من شأنهم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ( فلا تمار فيهم ) قال : حسبك ما قصصنا عليك من شأنهم .

حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) يقول : حسبك ما قصصنا عليك .

وقال آخرون : المراء الظاهر هو أن يقول ليس كما تقولون ، ونحو هذا من القول .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( إلا مراء ظاهرا ) قال : أن يقول لهم : ليس كما تقولون ، ليس تعلمون عدتهم إن قالوا كذا وكذا فقل ليس كذلك ، فإنهم لا يعلمون عدتهم ، وقرأ سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) حتى بلغ ( رجما بالغيب ) .

وقوله : ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) يقول تعالى ذكره : ولا تستفت في عدة الفتية من أصحاب الكهف منهم ، يعني من أهل الكتاب أحدا ، لأنهم لا يعلمون عدتهم ، وإنما يقولون فيهم رجما بالغيب ، لا يقينا من القول .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) [ ص: 644 ] قال : هم أهل الكتاب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) من يهود .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) : من يهود ، قال : ولا تسأل يهود عن أمر أصحاب الكهف ، إلا ما قد أخبرتك من أمرهم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) : من أهل الكتاب . كنا نحدث أنهم كانوا بني الركنا والركنا : ملوك الروم ، رزقهم الله الإسلام ، فتفردوا بدينهم ، واعتزلوا قومهم ، حتى انتهوا إلى الكهف ، فضرب الله على أصمختهم ، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم وجاءت أمة مسلمة بعدهم ، وكان ملكهم مسلما .

التالي السابق


الخدمات العلمية