الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والسنة أن لا يركب ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة } فإن ركب في الانصراف لم يكن به بأس ، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم : صلى على جنازة ، فلما انصرف [ ص: 239 ] أتي بفرس معرورى فركبه } والسنة أن يمشي أمام الجنازة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان } ولأنه شفيع الميت ، والشفيع يتقدم على المشفوع له ، والمستحب أن يمشي أمامها قريبا منها ، لأنه إذا بعد لم يكن معها ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث : ما ركب في عيد ولا جنازة غريب .

                                      وحديث جابر بن سمرة رواه مسلم بلفظه .

                                      وحديث ابن عمر رواه الشافعي في الأم ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم ، وإسناده صحيح إلا أنه ليس في رواية أكثرهم ذكر عثمان ، وهو في بعض روايات الشافعي والنسائي والبيهقي وروي هكذا موصولا عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ، وروي مرسلا عن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر " والذي وصله سفيان بن عيينة وهو إمام ، ولم يذكر أبو داود وابن ماجه إلا روايتي الوصل ، وذكر الترمذي والنسائي والبيهقي الروايتين . قال الترمذي : أهل الحديث كأنهم يرون المرسل أصح ، ثم روي عن ابن المبارك أنه قال : المرسل في ذلك أصح ، قال النسائي : وصله خطأ بل الصواب مرسل . وأما الأحاديث التي جاءت بالمشي خلفها فليست ثابتة . قال البيهقي رحمه الله : الآثار في المشي أمامها أصح وأكثر . وقوله " فرس معرورى " هو بضم الميم وإسكان العين وفتح الراء الأولى وفتح الثانية منونة . هكذا وقع في المهذب ، وكذا هو في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث وفي رواية لمسلم " بفرس عرى " وكلاهما صحيح من حيث اللغة ومن حيث الرواية . وهذه الجنازة التي ركب في الانصراف منها جنازةأبي الدحداح ويقال ابن الدحداح . وفي رواية الترمذي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم تبع جنازة ابن الدحداح رضي الله عنه ماشيا ورجع على فرس } قال الترمذي : حديث حسن . وقوله " ولأنه إذا بعد لم يكن معها " معناه أن الفضيلة لمن هو معها ، لا لمن سبقها إلى المقبرة ، فإن ذلك لا يكون له ثواب متبعيها ; لأنه ليس معها . وقد ثبت [ ص: 240 ] في صحيح البخاري وغيره { من تبع جنازة وكان معها حتى يفرغ من دفنها رجع بقيراطين } .

                                      ( أما الأحكام ) فقال أصحابنا رحمهم الله : يكره الركوب في الذهاب مع الجنازة إلا أن يكون له عذر كمرض أو ضعف ونحوهما ، فلا بأس بالركوب ، واتفقوا على أنه لا بأس بالركوب في الرجوع .



                                      قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : والأفضل أن يمشي قدامها وأن يكون قريبا منها ، وكلما قرب منها فهو أفضل ، وسواء كان راكبا أم ماشيا فالأفضل قدامها ولو تقدم عليها كثيرا ، فإن كان بحيث ينسب إليها بأن يكون التابعون كثيرين حصل له فضيلة اتباعها ، وإن كان بحيث لا ينسب إليها لكثرة بعده وانقطاعه عن تابعيها لم تحصل له فضيلة المتابعة ، ولو مشى خلفها حصل له فضيلة أصل المتابعة ولكن فاته كمالها .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء قد ذكرنا أن مذهبنا أن السير أمامها أفضل ، سواء الراكب والماشي ، وبه قال جماهير العلماء . منهم : أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر والحسن بن علي وأبو قتادة وأبو هريرة وابن الزبير والقاسم بن محمد وسالم وشريح وابن أبي ليلى والزهري ومالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة : خلفها أفضل وبه قال الأوزاعي وإسحاق ، وقال الثوري : يسير الراكب خلفها والماشي حيث شاء منها .




                                      الخدمات العلمية