الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 119 ] مسألة :

" ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم ما لم تعلم نجاستها " .

أما الأواني التي استعملوها ففيها ثلاث روايات : أحدها يباح مطلقا لما روى جابر بن عبد الله قال : " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك علينا " . رواه أحمد وأبو داود .

وفي الصحيحين عن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضئوا من مزادة مشركة " وروى أنس " أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه " . رواه أحمد . والثانية : تكره لما روى أبو ثعلبة الخشني قال : قلت : يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ، قال : إن وجدتم غيرها فلا [ ص: 120 ] تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا " متفق عليه . ولأنهم لا يجتنبون النجاسة لا سيما الخمر لاستحلالهم إياها ، فالظاهر أن أوانيهم لا تسلم من ذلك .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، والرواية الثالثة أن من لا تباح ذبيحته كالمجوس والمشركين أو من يكثر استعمال النجاسة كالنصارى المتظاهرين بالخمر والخنزير لا تباح أوانيهم وتباح آنية من سواهم ، لكن في كراهتها الخلاف المتقدم والصحيح أنها لا تكره ، وهذا اختيار القاضي ، وأكثر أصحابنا من يجعل هذا التفصيل هو المذهب قولا واحدا لحديث أبي ثعلبة المتقدم حملا له على من يكثر استعمال النجاسة وحملا لغيره على غير ذلك . كما جاء مفسرا . فيما رواه أبو داود عن أبي ثعلبة قال : قلت : يا رسول الله إن أرضنا أرض أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم ، قال : " إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء واطبخوا فيها واشربوا " ، قال آدم بن الزبرقان : سمعت الشعبي قال : غزوت مع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكنا إذا انتهينا إلى أهل قرية [ ص: 121 ] فإن كانوا أهل كتاب أكلنا من طعامهم وشربنا من شرابهم ، وإن كانوا غير أهل كتاب انتفعنا بآنيتهم وغسلناها " وعلى هذه الرواية لا يؤكل من طعام هؤلاء إلا الفاكهة ونحوها مما لم يصنعوه في آنيتهم - نص عليه - وتكون آسارهم نسجة ذكرها القاضي وغيره ، وذلك لأن من تكون ذبيحته نجسة أو من هو مشهور باستعمال النجاسة لا تسلم آنيته المستعملة من ذلك إلا على احتمال نادر لا يلتفت إليه ، وما لم يستعملوه أو شك في استعماله فهو على أصل الطهارة . وأما الثياب فما لم يعلم أنهم استعملوه لا تكره قولا واحدا سواء نسجوه أو حملوه كالآنية ؛ لأن عامة الثياب والآنية التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت من نسج الكفار وصنعتهم ، وما لبسوه ففي كراهته روايتان إلا أن يكون مما يلي العورة كالسراويل والأزر ففي جواز استعماله روايتان .

فأما ثياب المجوس ونحوهم كآنيتهم كما تقدم في أحد الوجهين وفي الآخر هي كثياب غيرهم من أهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية