الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 168 ] باب

ذكر نقط ما اجتمع فيه واوان ، فحذفت إحداهما تخفيفا

اعلم أن المصاحف اجتمعت على حذف إحدى الواوين في أربع كلم ، وهن قوله في ( سبحان ) : " ليسئوا وجوهكم " ، وقوله في ( الأحزاب ) : " وتئوي إليك " ، وقوله في ( المعارج ) : " التي تئويه " ، وقوله في ( كورت ) : " وإذا الموءدة " .

* * *

فأما ليسوا فإن كان مرسوما على قراءة من قرأه بالياء على التوحيد ، أو بالنون على الجمع فذلك حقيقة رسمه . إلا أن الألف رسمت في آخره على القراءتين كما رسمت في قوله : " أن تبوأ " صورة للهمزة . وإن كان مرسوما على قراءة من قرأ بالياء على الجمع فقد حذفت من رسمه إحدى [ ص: 169 ] الواوين اللتين الهمزة المضمومة بينهما ، من حيث كانت الهمزة غير فاصلة ؛ لخفائها ، وعدم صورتها .

ويجوز أن تكون المحذوفة منهما الأولى التي هي عين من الفعل ، إذ هي السابقة . ويجوز أن تكون الثانية التي هي علامة الجمع ، من حيث كانت حرفا زائدا دخيلا ، وكانت الأولى من سنخ الحرف . والمذهب الأول أوجه ؛ لأن معنى الجميع يختل بسقوط علامته ، وعدم دليله .

فإذا نقط ذلك على الأول المختار جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء أمامها ، قبل الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء قبل الهمزة وبعد السين . فتحصل الهمزة بين الواوين الحمراء والسوداء . وإن شاء الناقط لم يرسم تلك الواو ، وجعل مطة في موضعها بين السين والهمزة . وصورة ذلك كما ترى : " ليسئوا " .

وإذا نقط على الوجه الثاني جعلت الهمزة وحركتها بعد الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء بعدها ، لا بد من ذلك ، ليتأدى بها المعنى الذي جاءت له . فتحصل الهمزة بين الواوين السوداء والحمراء . وصورة ذلك كما ترى : " ليسوءا " .

وإذا نقط ذلك على قراءة من قرأه بالياء على التوحيد ، والنون على الجمع جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، في الألف المرسومة . لأنها صورة لها كما ذكرناه . وصورة ذلك كما ترى : " ليسوأ " .

* * *

وأما " وتئوي إليك " ، و " التي تئويه " فإنهما رسما بواو واحدة . وهي الثانية المكسورة التي هي عين الفعل ، لا الأولى التي هي همزة ساكنة ، وفاء من الفعل .

[ ص: 170 ] وذلك لخمسة معان : أحدها أن الأولى هي السابقة منهما .

والثاني أنها ساكنة ، والثانية متحركة . والثالث أنها قد تستغني عن الصورة ؛ لأنها حرف قائم بنفسه ، من حيث اشتركت مع الهاء والألف في المخرج ، ولحقتها الحركات والسكون . والرابع أنها قد تبدل واوا ساكنة ؛ لأجل ضمة التاء قبلها ، ثم تدغم في الواو التي بعدها للتماثل . فيمتنع تصويرها لذلك ، كما يمتنع تصوير الأول من المثلين في كلمة واحدة ، إذا أدغم في الثاني ، نحو قوله : عدوي ، و وليي ، و عدوكم ، و وليكم ، وشبهه . والخامس ثبوت الياء الساكنة في اللفظ والرسم التي لا تليها إلا كسرة لا غير . وهي كسرة الواو التي هي عين .

فدل ذلك كله على أن الثابتة في الرسم هي الواو الثانية ، وأن الساقطة هي الواو الأولى التي هي همزة ساكنة في حال التحقيق .

فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وعلامة السكون عليها ، بين التاء والواو السوداء في بياض السطر . وجعلت تحت الواو السوداء نقطة بالحمراء علامة لكسرها . وإن شاء الناقط رسم بعد التاء وقبل الواو السوداء بالحمراء واوا ، وجعل الهمزة فيها ، وألا يرسمها أحسن . وصورة ذلك كما ترى : " تئوي " ، و " تئويه " .

* * *

وأما " الموءدة " فرسمت في جميع المصاحف بواو واحدة . وتحتمل أن تكون المرسومة الواو الأولى التي هي فاء من الفعل ، والمحذوفة الواو الثانية [ ص: 171 ] التي جاءت لبناء "مفعولة". وتحتمل أن تكون المرسومة الثانية ، والمحذوفة الأولى ، من حيث كانت السابقة منهما .

وأن تكون المرسومة الأولى التي هي فاء أولى من ثلاثة أوجه : أحدها أن الأولى من نفس الكلمة ، والثانية زائدة فيها . والأصلي أولى بالإثبات من الزائد . والثاني أن ضمة الهمزة الواقعة بين الواوين تدل على الواو الثانية ، إذا حذفت من الرسم . ولا شيء في الكلمة يدل على الأولى إذا حذفت . فلزم رسمها دون الثانية إذا وجب حذف صورة إحداهما . والثالث أن من العرب من إذا سهل الهمزة في ذلك أسقطها والواو التي بعدها ؛ طلبا للتخفيف ، فيقول : المودة على لفظ "الجوزة" ، و "الموزة" . وهي قراءة الأعمش في ذلك . قرأت على عبد العزيز بن محمد ، عن أبي طاهر بن أبي هاشم قال : نا قاسم المطرز والخثعمي قالا : حدثنا أبو كريب ، قال : نا أبو بكر قال : قرأ الأعمش : "وإذا المودة" بغير همز مخففا .

فإذا نقطت هذه الكلمة على المذهب الأول المختار جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها نقطة بالحمراء ، بعد الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء بعد الهمزة . فتحصل الهمزة بذلك بين واوين سوداء وحمراء . وإن شاء الناقط لم يرسم تلك الواو من حيث كانت ضمة الهمزة دالة عليها . وصورة نقط ذلك كما ترى : " الموءدة " .

وإذا نقطت على المذهب الثاني جعلت الهمزة وحركتها قبل الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء بعد الميم ، وقبل الهمزة . فتحصل الهمزة أيضا بين واوين ، [ ص: 172 ] واو حمراء وواو سوداء . ولا بد من تصوير الواو في هذا الوجه ضرورة ؛ لأن اللفظ والمعنى يختلان بحذفها . وصورة نقط ذلك كما ترى : "المئودة".

فصل

وكل همزة مضمومة جاءت قبل واو مرسومة ، سواء كانت للجمع أو للبناء ، وسواء تحرك ما قبل الهمزة أو سكن ، فإن المصاحف اتفق رسمها على حذف صورة الهمزة ، لما تقدم من كراهة توالي صورتين متفقتين في الرسم .

وجائز أن تحذف واو الجمع وواو البناء ، وأن تثبت صورة الهمزة . والأول أقيس ، لما قدمناه من استغناء الهمزة عن الصورة ، ومن اختلال اللفظ والمعنى جميعا بحذف ما يدل على الجمع أو على البناء .

فالتي للجمع نحو قوله : فادرءوا ، و " يدرءون " ، و " لا يطئون " ، و تطئوهم ، و " مستهزءون " ، و متكئون ، و فمالئون ، و ليواطئوا ، و ليطفئوا ، و أنبئوني ، و " يستنبئونك " ، وشبهه .

والتي للبناء نحو قوله : يئوسا ، و مذءوما ، و مسؤولا ، وشبهه .

[ ص: 173 ] فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها نقطة بالحمراء ، قبل الواو السوداء في بياض السطر ، على ما تراه في الحروف المتقدمة .

* * *

وكل واو مضمومة جاء بعدها واو ساكنة ، للجمع كانت أو للبناء ، فالقول في حذف إحداهما ، وإثبات الثانية كالقول في جميع ما تقدم .

فالتي للجمع نحو قوله " الغاون " ، و " لا تلون " ، و " لا يستون " ، و " فأوا إلى الكهف " ، وشبهه .

والتي للبناء نحو قوله : " ما وري " ، و داود ، وشبهه .

والأوجه هاهنا أن تكون المرسومة الواو الأولى لتحركها ، والمحذوفة الواو الثانية لسكونها ، من حيث كان الساكن أولى بالحذف من المتحرك في ذلك ، لتولده منه ، ولدلالة حركة المتحرك عليه . وذلك بخلاف ما تقدم في نظائر ذلك من كون المرسومة من إحدى الواوين الثانية دون الأولى ، هو الأوجه . وذلك لسكونهما معا هناك ، فلما اجتمعتا في السكون كان الأولى بالإثبات منهما ما جاء لمعنى لا بد من تأديته . وهي الثانية لدلالتها على الجمع .

والناقط مخير في رسم واو الجمع وواو البناء في هذا الضرب ، على ما تستحقه ، وفي ترك رسمها ، لدلالة الضمة عليها . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية