الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب سؤر الهر

                                                                                                                                            17 - ( { عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة : أن أبا قتادة [ ص: 53 ] دخل عليها فسكبت له وضوءا ، فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت منه ، قالت كبشة : فرآني أنظر ، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقلت : نعم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات } . رواه الخمسة وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ) .

                                                                                                                                            18 - ( وعن عائشة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها } . رواه الدارقطني ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي ، وصححه البخاري والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني ، وأعله ابن منده بأن حميدة الراوية له عن كبشة مجهولة وكذلك كبشة قال : ولم يعرف لهما إلا هذا الحديث ، وتعقبه الحافظ بأن لحميدة حديثا آخر في تشميت العاطس ، رواه أبو داود ، ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة ، وقد روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين ، فارتفعت جهالتها . وأما كبشة فقيل : إنها صحابية ، فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها على ما هو الحق من قبول مجاهيل الصحابة .

                                                                                                                                            وقد حققنا ذلك في القول المقبول في رد رواية المجهول من غير صحابة الرسول .

                                                                                                                                            وفي الباب عن جابر عند ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ مثله . والحديث الثاني الذي رواه الدارقطني عن عائشة قد اختلف فيه على عبد ربه وهو عبد الله بن سعيد المقبري ، ورواه الدارقطني من وجه آخر عن عائشة وفيه الواقدي .

                                                                                                                                            وروي من طرق أخر كلها واهية ، والحديثان يدلان على طهارة فم الهرة وطهارة سؤرها .

                                                                                                                                            وإليه ذهب الشافعي والهادي ، وقال أبو حنيفة : بل نجس كالسبع ، لكن خفف فيه فكره سؤره ، واستدل بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أن " الهرة سبع " في حديث أخرجه أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ : { السنور سبع } وبما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم عند سؤاله عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال : { إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء } . وأجيب بأن حديث الباب مصرح بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع .

                                                                                                                                            وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة [ ص: 54 ] والسبعية على أنه قد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة ، قال : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة فقيل : إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال : لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور } . وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال : له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ : { أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : نعم وبما أفضلت السباع كلها } .

                                                                                                                                            وأخرج الدارقطني وغيره عن ابن عمر قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له وهي الحوض الذي يجتمع فيه الماء ، فقال عمر : أولغت السباع عليك الليلة في مقراتك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور } وهذه الأحاديث مصرحة بطهارة ما أفضلت السباع .

                                                                                                                                            وحديث عائشة المذكور في الباب نص في محل النزاع . وأيضا حديث أبي هريرة الذي استدل به أبو حنيفة فيه مقال . ويمكن حمل حديث القلتين المتقدم على أنه إنما كان كذلك ; لأن ورودها على الماء مظنة لإلقائها الأبوال والأزبال عليه . قوله : ( فأصغى لها الإناء ) هو بالصاد المهملة بعدها غين معجمة ذكره في الأساس .

                                                                                                                                            وقال : أصغى الإناء للهرة : أماله . وفي القاموس وأصغى : استمع ، وإليه مال بسمعه والإناء أماله . قوله : ( إنها من الطوافين . . . إلخ ) تشبيه للهرة بخدم البيت الذين يطوفون للخدمة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية