الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 317 ] فصل ( في الاستماع للقرآن والإنصات والأدب له ) .

ويستحب استماع القراءة وهو قول الشافعية ، ويكره الحديث عندها بما لا فائدة فيه ، وحكى ابن المنذر في الإشراف إجماع العلماء على أنه لا يجب الاستماع للقراءة في غير الصلاة والخطبة ، وتكلم الشيخ تقي الدين بن تيمية على الخشوع وعلى ذم قسوة القلب ، وقال : فإن قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب قيل نعم ، لكن الناس فيه على قسمين : مقتصد وسابق ، فالسابقون يختصون بالمستحبات ، والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ، ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه ، انتهى كلامه .

وقال ابن عقيل في الفنون ما أخوفني أن أساكن معصية فتكون سببا في سقوط عملي وسقوط منزلة إن كانت عند الله تعالى بعدما سمعت قوله تعالى { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } وهذا يدل على أن في بعض التسبب وسوء الأدب على الشريعة ما يحبط الأعمال ، ولا يشعر العامل إلا أنه عصيان ينتهي إلى رتبة الإحباط ، هذا يترك الفطن خائفا وجلا من الإقدام على المآثم ثم خوفا أن يكون تحتها من العقوبة ما يشاكل هذه إلى أن قال : أليس بيننا كتاب الله عز وجل وهو كلامه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتزمل ويتدثر لنزوله ، والجن تنصت لاستماعه وأمر بالتأدب بقوله : { فاستمعوا له وأنصتوا } .

فعم كل قارئ ، وهذا موجود بيننا . فلما أمرنا بالإنصات إلى كلام مخلوق [ ص: 318 ] كان أمر الناس بالإنصات إلى كلامه أولى . والقارئ يقرأ وأنتم معرضون ، وربما أصغيتم إلى النغمة استثارة للهوى ، فالله الله لا تنس الأدب فيما وجب عليك فيه حسن الأدب ، ما أخوفني أن يكون المصحف في بيتك وأنت مرتكب لنواهي الحق سبحانه فيه فتدخل تحت قوله : { فنبذوه وراء ظهورهم } .

فهجران الأوائل كلام الحق يوجب عليك ما أوجب عليهم من الإبعاد والمقت ، فقد نبهك على التأدب له من أدبك للوالدين ، والتأدب للأبوين يوجب التأدب لله عز وجل ; لأنه المبتدئ بالنعم ، فالله الله في إهمال ما وجب لله تعالى من الأدب عند تلاوة القرآن ، والإنصات للفهم والنهضة للعمل بالحكم إيفاء للحقوق إذا وجبت ، وصبرا على أثقال التكاليف إذا حضرت ، وتلقيا بالتسليم للمصائب إذا نزلت ، وحشمة للحق سبحانه في كل أخذ وترك حيث نبهك على سبب الحشمة فقال : { والظاهر والباطن } { أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } .

وقال ابن هبيرة : كره السؤال بالقرآن لثلاث معان :

( أحدها ) : أن الناس يكرهون بالطبع سماع سؤال السائل فإذا أعرضوا عن القارئ الذي يسأل بالقرآن أعرضوا عن القرآن فيحملهم القارئ على أن يأثموا .

( والثاني ) : أنه ربما قرأ وهم معرضون عنه ، وقد أمروا بالإنصات للقرآن فيعرضهم للإثم أيضا .

( الثالث ) : أن يأتي بأعز الأشياء فيستشفع به في أخسها .

التالي السابق


الخدمات العلمية