الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حكم خطأ القاضي في القضاء فنقول : الأصل أن القاضي إذا أخطأ في قضائه ، بأن ظهر أن الشهود كانوا عبيدا أو محدودين في قذف ، أنه لا يؤاخذ بالضمان ; لأنه بالقضاء لم يعمل لنفسه بل لغيره ، فكان بمنزلة الرسول فلا تلحقه العهدة ، ثم ينظر إما أن كان المقضي به من حقوق العباد ، وإما أن كان من حقوق الله - عز وجل - خالصا ، كالقطع في السرقة ، والرجم في زنا المحصن ، فإن كان في حقوق العباد ، فإن كان مالا - وهو قائم - رده على المقضي عليه ; لأن قضاءه وقع باطلا ، ورد عين المقضي به ممكن ، فيلزمه رده ; لقول النبي عليه الصلاة والسلام { على اليد ما أخذت حتى ترده } .

                                                                                                                                ولأنه عين مال المدعى عليه ، { ومن وجد عين ماله فهو أحق به } ، وإن كان هالكا فالضمان على المقضي له ; لأن القاضي عمل له فكان خطؤه عليه ; ليكون الخراج بالضمان ; ولأنه إذا عمل له فكان هو الذي فعل بنفسه ، وإن كان حقا ليس بمال ، كالطلاق والعتاق بطل ; لأنه تبين أن قضاءه كان باطلا ، وأنه أمر شرعي يحتمل الرد فيرد ، بخلاف الحدود والمال الهالك ; لأنه لا يحتمل الرد بنفسه فيرد بالضمان ، هذا إذا كان المقضي به من حقوق العباد .

                                                                                                                                وأما إذا كان من حق الله - عز وجل - خالصا فضمانه في بيت المال ; لأنه عمل فيها لعامة المسلمين ; لعود منفعتها إليهم - وهو الزجر - فكان خطؤه عليهم ; لما قلنا فيؤدى من بيت مالهم ، ولا يضمن القاضي ; لما قلنا ، ولا الجلاد أيضا ; لأنه عمل بأمر القاضي ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية