الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني .

في أسرار الصوم وشروطه الباطنة .

اعلم أن الصوم ثلاث درجات : صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص .

وأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله .

وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام .

وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل : قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون .

التالي السابق


(الفصل الثاني في أسرار الصوم)

ومهماته (وشروطه الباطنة) ولما فرغ من بيان الشروط الظاهرة للصوم مما يتعلق بها نظر الفقيه اتفاقا واختلافا فأشرع في ذكر الشروط الباطنة له فقال : (اعلم) وفقك الله تعالى (أن للصوم ثلاث درجات : صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص أما صوم العموم) وهم عامة الناس (فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة) في الأكل والشرب والجماع (كما سبق تفصيله) قريبا .

(وأما صوم الخصوص) وهم خاصة الناس (فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح) أي : باقيها وهي ستة الخمسة المذكورة والفرج (عن الآثام) فكف السمع عن الإصغاء إلى ما نهي عنه وكف البصر عن النظر إلى ما نهي عنه وكف اللسان عن الخوض فيما لا يعني وكف اليد عن البطش فيما لا يحل وكف الرجل عن نقلها إلى محظور وكف الفرج عن المحرمات فمن صام تطوعا بهذه الجوارح الست وأفطر بجارحتي الأكل والشرب والجماع فهو عند الله من الصائمين في الفضل لأنه من الموقنين الحافظين للحدود ومن أفطر بهذه الست أو ببعضها وصام بجارحتي البطن والفرج فما ضيع أكثر مما حفظ فهذا مفطر عند العلماء صائم عند نفسه .

(وأما صوم خصوص الخصوص) وهم خاصة الخاصة (فصوم القلب) أي : صونه وحفظه (عن الهمم الدنية) أو الخسيسة الردية (والأفكار الدنيوية) والخواطر الشهوانية (وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية) وذلك يحصل بمراعاة القلب وحفظه الأنفاس بأن يعكف الهمم عليه فيقطع الخواطر والأفكار ويترك التمني الذي لا يجدي (ويحصل الفطر في هذا العموم بالتفكر فيما سوى الله تعالى و) فيما سوى (اليوم الآخر) بجميع ما يتعلق به (وبالتفكر في) أمور (الدنيا) عامتها (إلا دنيا تراد للدين) ويستعان بها في التوصل إليه (فإن ذلك زاد الآخرة وليس من أمور الدنيا) بل هو عند أهل الله معدود من الدين (حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف) أي : التقلب للاكتساب (في نهاره لتدبير ما يفطر عليه) وفي بعض النسخ بالتدبير فيما يفطر عليه (كتبت عليه خطيئة) ولفظ القوت ولا يهتم لعشائه قبل محل وقته يقال إن الصائم إذا اهتم بعشائه قبل محل وقته أو من أول النهار كتبت عليه خطيئة . أهـ .

وفي العوارف : أدب الصوفية في الصوم ضبط الظاهر والباطن وكف الجوارح عن الآثام كمنع النفس عن الاهتمام بالطعام ثم كف النفس عن الاهتمام بالأقسام سمعت أن بعض الصالحين بالعراق كان طريقه وطريق أصحابه أنهم كانوا يصومون كلما فتح عليهم بشيء قبل وقت الإفطار يخرجونه ولا يفطرون إلا على ما فتح لهم وقت الإفطار . أهـ . (فإن ذلك) أي : الكد من أول النهار على تحصيل ما يفطر عليه ينشأ (من قلة الوثوق) أي : الاعتماد (بفضل الله وقلة اليقين برزقه الموعود) له [ ص: 245 ] وعدم الرضا باليسير مما قسم له أن يفطر عليه (وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين) من ورثتهم (ولا نطل النظر في تفصيل ذلك قولا) باللسان (ولكن في تحقيقه عملا فإنه) أي : صوم هؤلاء (إقبال بكنه الهمة على الله تعالى وانصرافه عن غيره) بصرف النظر عنه (وتلبس) وانصباغ (بمعنى قوله تعالى : قل الله ثم ذرهم) في خوضهم يلعبون .




الخدمات العلمية