الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ رواية الأبناء عن الآباء ] ( وعكسه ) ; أي : رواية الآباء عن الأبناء ، وهو رواية الأبناء عن الآباء ، الذي هو ثاني النوعين والجادة ، ( صنف فيه ) الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي ( الوايلي ) بكسر المثناة التحتانية ، نسبة لبكر بن وايل - كتابا ، وزاد عليه بعض المتأخرين أشياء مهمة نفيسة ، كما قال ابن كثير ، وكذا لأبي حفص بن شاهين كتاب من روى عن أبيه من الصحابة والتابعين ، ( وهو ) ; أي : رواية الأبناء عن الآباء ; كما قال أبو القاسم منصور بن محمد العلوي ، ( معال ) يعني مفاخر ، ( للحفيد ) وهو ولد الابن ( الناقل ) رواية ، وكذا دراية من باب أولى ، عن أبيه ، عن جده ، ولفظه كما رواه ابن الصلاح عن أبي المظفر بن السمعاني لفظا ، عن أبي نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي ، سمعت أبا القاسم المذكور يقول : الإسناد بعضه عوال وبعضه معال : وقول الرجل : حدثني أبي عن جده من المعالي . بل قال مالك مما رويناه فيما انتقاه السلفي من الطيوريات من [ ص: 187 ] حديثه في قول الله عز وجل : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) . قال : هو قول الرجل : حدثني أبي عن جدي .

( ومن أهمه ) ; أي : رواية الأبناء عن الآباء ، ( إذا ما أبهما الأب ) فلم يسم ( أو ) سمي الأب وأبهم ( جد وذاك ) بحسب هذا ( قسما قسمين ) : أحدهما : ما تكون الرواية فيه ( عن أب فقط ) وذلك باب واسع ، وهو ( نحو ) رواية ( أبي العشرا ) بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة بعدها راء مع القصر للضرورة ، الدارمي ( عن أبه ) بحذف الياء على لغة النقص ، كما مر أول الكتاب ، ( عن النبي ) - صلى الله عليه وسلم - ، فوالد أبي العشراء لم يسم في طرق الحديث ، بل ولم يأت هو إلا مكنيا ، ( واسمهما ) كما قال ابن الصلاح ( على الشهير ) من الأقوال : ( فاعلم أسامة بن مالك بن قهطم ) ، فكذلك نسبه ابن سعد ، بل ونقله الميموني عن أحمد وجده ، بكسر القاف فيما نقله ابن الصلاح من خط البيهقي وغيره ، وكذا الطاء المهملة بينهما هاء ، وقيل : حاء مهملة بدلها ، وآخره ميم ، بل حكى فيه أربع لغات : كسر القاف والطاء ، وفتحهما وفتح الأول وكسر الثاني ، وعكسه كاللغات في قرطم ، وقيل : في اسمهما عطارد بن برز بتقديم الراء على الزاء مع الاختلاف أهي مفتوحة أو ساكنة ؟ بل قيل : إنها لام . وقيل : يسار أو سنان . كما هو لأبي أحمد الحاكم بن بلز بن مسعود بن خولي بن حرمة بن قتادة ، وقيل كما للطبراني : بلاز بن يسار . وقال ابن حبان : اسمه عبد الله . وقيل : عامر . ( و ) القسم ( الثان ) بحذف الياء من القسمين ( أن [ ص: 188 ] يزيد فيه ) يعني في السند ( بعده ) ; أي : بعد ذكر الأب ، ( كبهز ) بموحدة مفتوحة ثم هاء وزاء ، هو ابن حكيم ( او ) بالنقل ( عمرو ) هو ابن شعيب ( أبا ) يعني لحكيم أبي بهز ( أو ) يزيد ، ( جده ) ; أي : جد عمرو ، مع كون التعبير في الموضعين بقوله : عن جده . غير أن مرجع الضمير فيهما مختلف ، ففي الأول لبهز وجده ، وهو معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري ، صحابي شهير ، ولا يصح أن يكون الضمير فيه لحكيم ; فإن جده حيدة لم ينقل له حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه صحابيا ، ورواية حفيده عنه كما في ( دلائل النبوة ) للبيهقي ، وغيرها من طريق داود بن أبي هند ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده حيدة بن معاوية ، أنه خرج معتمرا في الجاهلية فإذا هو بشيخ يطوف بالبيت فذكر قصة ، وفي الثاني لشعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فجده هو عبد الله الصحابي الشهير ، ويروى بكل من السندين نسخة كبيرة حسنة ، والثانية أكثرها فقهيات جياد وكل من النسختين مختلف في الاحتجاج به لما قيل من أن سماعهما من ذلك إنما هو اليسير ، والباقي من صحيفة وجداها ، ( و ) لكن ( الأكثر ) من المحدثين ( احتجوا بـ ) حديث ( عمرو حملا له ) أي : لجده في الإطلاق ، ( على الجد الكبير الأعلى ) وهو الصحابي دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك ، فقال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، ما تركه أحد من المسلمين ، قال البخاري : فمن الناس بعدهم ؟ زاد في رواية والحميدي ، وقال مرة : اجتمع علي وابن معين وأحمد وأبو خيثمة وشيوخ من أهل العلم يتذاكرون حديث عمرو بن شعيب ، فثبتوه وذكروا أنه حجة ، وقال أبو جعفر : أحمد بن سعيد الدارمي ، هو ثقة روى عنه الذين نظروا في الرجال مثل أيوب والزهري والحكم ، واحتج أصحابنا بحديثه ، وسمع أبوه [ ص: 189 ] من عبد الله بن عمرو ، وقال أبو بكر النيسابوري : صح سماع عمرو بن شعيب ، وسماع شعيب من جده . وقال يعقوب بن شيبة : ما رأيت أحدا من أصحابنا ممن ينظر في الحديث وينتقي الرجال يقول فيه شيئا ، وحديثه عندهم صحيح ، وهو ثقة ثبت ، والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء رووها عنه ، وما روى عنه الثقات صحيح ، قال : وسمعت ابن المديني يقول : قد سمع أبوه شعيب من جده عبد الله ، وقال ابن المديني : هو عندنا ثقة ، وكتابه صحيح . وقال الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه : عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده كأيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر . قال النووي في ( شرح المهذب ) : وهذا التشبيه في نهاية الجلالة من مثل إسحاق ، وقد أخرج له ابن خزيمة في صحيحه والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام له على سبيل الاحتجاج وآخرون ، وخالف آخرون فضعفه بعضهم مطلقا ، وبعضهم في خصوص روايته ، عن أبيه ، عن جده ، والإطلاق محمول عليه ، فقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد : حديثه عندنا واه . وقال الميموني : سمعت أحمد يقول : له أشياء منها مناكير ، وإنما يكتب حديثه للاعتبار ، فأما أن يكون حجة فلا . وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين : ليس بذلك .

وفي رواية عنه هو عن أبيه ، عن جده كتاب أي : وجادة ، وليس المراد مكاتبة ، قال : ومن هنا جاء ضعفه . وقال الآجري : قلت لأبي داود هو عندك حجة . قال : لا ، ولا نصف حجة ، وحكى في ( شرح المهذب ) أن الشيخ أبا إسحاق نص في كتابه : ( اللمع ) وغيره من أصحابنا على أنه لا يجوز الاحتجاج به هكذا . قال : وأكثر الشيخ من الاحتجاج به في ( المهذب ) كأنه لما ترجح عنده حال تصنيفه ، وفصل الدارقطني بأنه إن أفصح بتسمية جده عبد الله كان صحيحا ; لأن شعيبا سمع منه ولم يترك حديثه أحد من الأئمة ، وكذا إن قال عن جده : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن محمدا والد شعيب لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا فلا ، وكذا فصل غيره بأنه إن استوعب ذكر آبائه كما وقع في رواية عند ابن حبان ، فيها عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، فهو حجة أو يقتصر على قوله عن أبيه عن جده فلا ، لكن قد قال العلائي : إن ما يجيء فيه التصريح برواية محمد شاذ نادر ، لا سيما وقد قيل : إنه مات في حياة والده وإن الذي كفل شعيبا هو جده .

[ ص: 190 ] وبالجملة فالمعتمد من هذا كله الأول ، كما تقدم ، ولكن الظاهر كما قال شيخنا : إن شعيبا إنما سمع من جده بعض تلك الأحاديث ، والباقي صحيفة ، ويشهد له قول أبي زرعة : روى عنه الثقات . وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده ، وقالوا : إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وهو ثقة في نفسه ، إنما يتكلم فيه بسبب كتاب عنده ، وما أقل ما تصيب عنده مما روى عن أبيه عن جده من المنكر . ونحوه قول ابن معين : هو ثقة في نفسه ، وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه ، فليس بمتصل ، وهو ضعيف من قبيل أنه مرسل ، وجد شعيب كتب جده عبد الله بن عمرو فكان يرويها عنه إرسالا ، وهي صحاح عن عبد الله غير أنه لم يسمعها ، قال شيخنا : فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها ، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة ، وهي أحد وجوه التحمل .

وقد صنف البلقيني ( بذل الناقد بعض جهده في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ) وجمع مسلم جزءا فيما استنكره أهل العلم من حديث عمرو بن شعيب ، والحافظ عبد الغني بن سعيد فيمن روى عنه من التابعين ، ثم إن هذا القسم الثاني يتنوع أنواعا بالنظر لكثرة الآباء وقلتها ، ( و ) قد ( سلسل الآبا ) بالقصر ، أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن [ ص: 191 ] عبد الله ( التميمي ) الفقيه الحنبلي ، وهو ـ كما قال ابن الصلاح ـ ممن كانت له ببغداد في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى ، ( فعد ) فيما رواه روايته ( عن تسعة ) ، كل واحد منهم روى عن أبيه ، وذلك فيما رواه الخطيب ، قال : حدثنا عبد الوهاب المذكور من لفظه سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز يقول : سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول : سمعت أبي أسدا يقول : سمعت أبي الليث يقول : سمعت أبي سليمان يقول : سمعت أبي الأسود يقول : سمعت أبي سفيان يقول : سمعت أبي يزيد يقول : سمعت أبي أكينة يقول : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد سئل عن الحنان المنان ، فقال الحنان : هو الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال .

( قلت ) : هكذا اقتصر ابن الصلاح على هذا العدد ، وقال : إنه من أظرف ذلك ، ( و ) لكن ( فوق ذا ورد ) فباثني عشر فيما أخبرني أبو المعالي بن الذهبي ، أنا أبو هريرة بن الحافظ ، أنا البهاء أبو محمد بن عساكر ، عن كريمة ابنة عبد الوهاب حضورا وإجازة قالت : أنا مسعود بن الحسن الثقفي ، والقاسم بن الفضل الصيدلاني ، وعبد الحاكم بن ظفر ، ومحمد بن علي بن محمد قالوا : أنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي ، سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب بهذا السند إلى أكينة قال : سمعت أبي الهيثم يقول : سمعت أبي عبد الله يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ) وسنده كما قال العلائي : غريب جدا . قال : ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه من الكبار المشهورين ، متقدما في عدة علوم ، مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ( 488 ) ، وأبوه إمام مشهور أيضا ولكن جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا على إمامته ، واشتهر بوضع الحديث ، وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلا ، وقد خبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتغيير ; أي : فزاد في الثاني أبا لأكينة ، وهو الهيثم ، وجعله من رواية أبيه عبد الله وجعله صحابيا .

وبأربعة عشر في عدة أحاديث ، منها ما رواه أبو سعد بن السمعاني في الذيل [ ص: 192 ] قال : أنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراءتي وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني من لفظه قالا : حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ ، حدثني سيدي والدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة ، حدثني أبي أبو طالب الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ، حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد ، حدثني أبي محمد بن عبيد الله ، حدثني أبي عبيد الله بن علي ، حدثني أبي علي بن الحسن ، حدثني أبي الحسن بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن جعفر ، وهو أول من دخل بلخا من هذه الطائفة ، حدثني أبي جعفر الملقب بالحجة ، حدثني أبي عبيد الله ، حدثني أبي الحسين الأصغر ، حدثني أبي زين العابدين علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جده علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس الخبر كالمعاينة ) . وحديث : ( المجالس بالأمانة ) . و : ( الحرب خدعة ) . و : ( المستشار مؤتمن ) . و : ( المسلم مرآة المسلم ) .

قال شيخنا : ولفظه : حدثني سيدي والدي . وهو اصطلاح لا يعرف في المتقدمين ، والمتون منكرة بهذا الإسناد ; يعني لكونها جاءت من غير هذه الطريق ، وقد أخرج أولها أحمد وابن منيع والطبراني عن ابن عباس ، وغيرهم عن أنس ، ونحوه قول ابن دحية في المولد : أخبرتني خالة أبي أمة العزيز قالت : حدثني [ ص: 193 ] جدي الحسن ، حدثني أبي موسى ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي الحسين ، حدثني أبي جعفر ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي محمد ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي موسى ، حدثني أبي جعفر ، حدثني أبي محمد الباقر ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي الحسين ، حدثني أبي علي بن أبي طالب قال : ( كان لي شارف من نصيبي ببدر ) . نقلته من خط مغلطاي .

وقد صنف ابن أبي خيثمة جزءا فيمن روى عن أبيه ، عن جده ، وهو فيما أعلم أول مصنف فيه ، وكذا المزي ، وأرسل به إلى الدمياطي شيخه ; لكونه كان أرسل إليه من مصر يسأله عن جمل من ذلك ، والعلائي وهو أجمع مصنف في ذلك سماه : ( الوشي المعلم فيمن روى عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وقد لخصه شيخنا ، وذكر أبو الفضل بن طاهر في آخر كتابه في ( المبهمات ) منه فصلا كبيرا ، والقطب القسطلاني منه جملة .

التالي السابق


الخدمات العلمية