الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6980 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا شخص أغير من الله.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في قول النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -: لا شخص أغير من الله، ووقع في بعض النسخ: باب قول النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -: لا أحد أغير من الله، وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك: لا شخص أغير من الله، وابن بطال غير قوله: لا شخص بقوله: لا أحد، وعليه شرح، وقال: اختلف ألفاظ هذا الحديث، فلم يختلف في حديث ابن مسعود أنه بلفظ: لا أحد، فظهر أن لفظ "شخص" جاء في موضع "أحد" فكان من تصرف الراوي، قلت: اختلاف ألفاظ الحديث هو أن في رواية ابن مسعود: "ما من أحد أغير من الله" وفي رواية عائشة: "ما أحد أغير من الله" وفي رواية أسماء: "لا شيء أغير من الله" وفي رواية أبي هريرة: "إن الله تعالى يغار" كل ذلك مضى في كتاب النكاح في باب الغيرة، ورواية ابن مسعود مبينة أن لفظ الشخص موضوع موضع "أحد" وقال الداودي في قوله: "لا شخص أغير من الله": لم يأت متصلا ولم تتلق الأمة مثل هذه الأحاديث بالقبول، وهو يتوقى في الأحكام التي لا تلجئ الضرورة الناس إلى العمل به، وقال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله غير جائز; لأن الشخص إنما يكون جسما مؤلفا، وخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 109 ] وكثير من الرواة يحدث بالمعنى وليس كلهم فقهاء، وفي كلام آحاد الرواة جفاء وتعجرف، وقال بعض كبار التابعين: "نعم المرء ربنا، لو أطعناه ما عصانا" ولفظ المرء إنما يطلق على الذكور من الآدميين، فأرسل الكلام.

                                                                                                                                                                                  وبقي أن يكون لفظ الشخص جرى على هذا السبيل فاعتوره الفساد من وجوه:

                                                                                                                                                                                  (أحدها) أن اللفظ لا يثبت إلا من طريق السمع.

                                                                                                                                                                                  (والثاني) إجماع الأمة على المنع منه.

                                                                                                                                                                                  (والثالث) أن معناه أن يكون جسما مؤلفا فلا يطلق على الله، وقد منعت الجهمية إطلاق الشخص مع قولهم بالجسم، فدل ذلك على ما قلناه من الإجماع على منعه في صفته - عز وجل -.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا شخص" كلمة لا لنفي الجنس، وأغير مرفوع خبره، وأغير أفعل تفضيل من الغيرة وهي الحمية والأنفة، وقال عياض: الغيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ذلك ما يكون بين الزوجين، هذا في حق الآدمي، وأما في حق الله فيأتي عن قريب.

                                                                                                                                                                                  قوله: وقال عبيد الله بن عمرو -بتصغير العبد وبفتح العين في عمرو - بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي، يروي عن عبد الملك هو ابن عمير بن سويد الكوفي، وهو أول من عبر نهر جيحون نهر بلخ على طريق سمرقند مع سعيد بن عثمان بن عفان، خرج غازيا معه ومات سنة ست وثلاثين ومائة، وعمره يوم مات مائة سنة وثلاث سنين، وقال الخطابي : انفرد به عبيد الله عن عبد الملك ولم يتابع عليه، ورد بعضهم على الخطابي بقوله: إنه لم يراجع صحيح مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو، ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث، وهو يقتضي قصور فهم من فعل ذلك منهم، ومن ثمة قال الكرماني: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقات، بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات إما التفويض وإما التأويل، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا وقع في عين ما أنكر عليه، والخطابي لم ينكر هذه اللفظة وحده، وكذلك أنكرها الداودي وابن فورك، والقرطبي قال: أصل وضع الشخص في اللغة لجرم الإنسان وجسمه، واستعمل في كل شيء ظاهر، يقال: شخص الشيء إذا ظهر، وهذا المعنى محال على الله، انتهى، فكلامه يدل على أنه لا يرضى بإطلاق هذه اللفظة على الله وإن كان قد أوله، والعجب من هذا القائل أنه أيد كلامه بما قاله الكرماني، مع أنه ينسبه في مواضع إلى الغفلة وإلى الوهم والغلط، ومن أين ثبت له عدم مراجعة الخطابي إلى صحيح مسلم وغيره، وكلامه عام في كل موضع فيه، والسهو والنسيان غير مرفوعين عن كل أحد يقعان عن الثقات وغيرهم، وفي نسبة الثقات إلى قصور الفهم واقع هو فيه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية