الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يدفن ميت في موضع فيه ميت إلا أن يعلم أنه قد بلي ، ولم يبق منه شيء ، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض ولا يدفن في قبر واحد اثنان " لأن { النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في كل قبر إلا واحدا } فإن دعت إلى ذلك ضرورة جاز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الاثنين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهما كان أكثر أخذا للقرآن ، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه إلى اللحد ، وإن دعت ضرورة أن يدفن مع امرأة رجل جعل بينهما حائل من التراب وجعل الرجل أمامها اعتبارا بحال الحياة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : { إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في كل قبر إلا واحدا } هذا صحيح معروف في الأحاديث الصحيحة والمراد به في حال الاختيار ( وأما ) قوله : لأن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الاثنين من قتلى أحد } إلى آخره فرواه البخاري رحمه الله من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه ( أما الأحكام ) ففيه مسألتان : ( إحداهما ) لا يجوز أن يدفن ميت في موضع ميت حتى يبلى الأول ، بحيث لا يبقى منه شيء لا لحم ولا عظم . وهذا الذي ذكرناه من المنع من [ ص: 247 ] دفن ميت على ميت هو منع تحريم ، صرح به أصحابنا ، ممن صرح بتحريمه وأما قول الرافعي رحمه الله : المستحب في حال الاختيار أن يدفن كل إنسان في قبر ، فمتأول على موافقة الأصحاب ، قال أصحابنا رحمهم الله : ويستدام المنع مهما بقي من الميت شيء من لحم أو عظم ، وقد صرح المصنف بهذا في قوله : ولم يبق منه شيء . فأما إذا بلي ولم يبق عظم ، بل انمحق جسمه وعظمه وصار ترابا ، فيجوز بعد ذلك الدفن في موضعه بلا خلاف ، قال القاضي حسين والبغوي والمتولي وسائر الأصحاب رحمهم الله : ولا يجوز بعد البلى أن يسوى عليه التراب ، ويعمر عمارة قبر جديد إن كان في مقبرة مسبلة ، لأنه يوهم الناس أنه جديد فيمتنعون من الدفن فيه ، بل يجب تركه خرابا ليدفن فيه من أراد الدفن ، قال المصنف والأصحاب رحمهم الله : والرجوع في مدة البلى إلى أهل الخبرة بتلك الناحية والمقبرة ، قالوا : فلو حفره فوجد فيه عظام الميت أعاد القبر ، ولم يتمم حفره ، قال أصحابنا : إلا أن الشافعي رحمه الله قال : فلو فرغ من القبر وظهر فيه شيء من العظام لم يمتنع أن يجعل في جنب القبر ، ويدفن الثاني معه وكذا لو دعت الحاجة إلى دفن الثاني مع العظام دفن معها .



                                      ( المسألة الثانية ) لا يجوز أن يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة ، وهكذا صرح السرخسي بأنه لا يجوز ، وعبارة الأكثرين لا يدفن اثنان في قبر كعبارة المصنف ، وصرح جماعة بأنه يستحب أن لا يدفن اثنان في قبر . أما إذا حصلت ضرورة بأن كثر القتلى أو الموتى في وباء أو هدم وغرق أو غير ذلك وعسر دفن كل واحد في قبر فيجوز دفن الاثنين والثلاثة وأكثر في قبر ، بحسب الضرورة للحديث المذكور ، قال أصحابنا : وحينئذ يقدم في القبر أفضلهم إلى القبلة ، فلو اجتمع رجل وصبي وامرأة قدم إلى القبلة الرجل ، ثم الصبي ، ثم الخنثى ، ثم المرأة . قال أصحابنا : ويقدم الأب على الابن ، وإن كان الابن أفضل لحرمة الأبوة ، وتقدم الأم على البنت ، ولا يجوز الجمع بين المرأة والرجل في قبر إلا عند تأكد الضرورة ، ويجعل حينئذ بينهما تراب ليحجز بينهما بلا خلاف ، ويقدم إلى القبلة الرجل وإن كان ابنا وإذا دفن [ ص: 248 ] رجلان أو امرأتان في قبر لضرورة فهل يجعل بينهما تراب ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) وبه قطع جماهير العراقيين ونص عليه الشافعي في الأم : يجعل ، ( والثاني ) لا يجعل وبهذا قطع جماعة من الأصحاب ، والله أعلم . قال الشافعي والأصحاب : ولو مات جماعة من أهله وأمكنه دفنهم واحدا واحدا ، فإن خشى تغير أحدهم بدأ به ، ثم بمن يخشى تغيره بعده ، وإن لم يخش تغير أحد بدأ بأبيه ثم أمه ثم الأقرب فالأقرب ، فإن كانا أخوين قدم أكبرهما . فإن استويا أو كانتا زوجتين أقرع ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية