الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3746 ) فصل : ولا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم . فإن قال : وكلتك في كل شيء . أو في كل قليل وكثير . أو في كل تصرف يجوز لي . أو في كل مالي التصرف فيه . لم يصح . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي . وقال ابن أبي ليلى : يصح ، ويملك به كل ما تناوله لفظه ; لأنه لفظ عام ، فصح فيما يتناوله ، كما لو قال : بع مالي كله .

                                                                                                                                            ولنا ، أن في هذا غررا عظيما ، وخطرا كبيرا ; لأنه تدخل فيه هبة ماله ، وطلاق نسائه ، وإعتاق رقيقه ، وتزوج نساء كثيرة . ويلزمه المهور الكثيرة ، والأثمان العظيمة ، فيعظم الضرر . وإن قال : اشتر لي ما شئت . لم يصح ; لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه . وقد روي عن أحمد ، ما يدل على صحته ; لقوله في رجلين ، قال كل واحد منهما لصاحبه : ما اشتريت من شيء فهو بيننا : إنه جائز . وأعجبه .

                                                                                                                                            ولأن الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء . فعلى هذا ليس له أن يشتري إلا بثمن المثل فما دون ، ولا يشتري ما لا يقدر الموكل على ثمنه ، ولا ما لا يرى المصلحة له في شرائه . وإن قال : بع مالي كله ، واقبض ديوني كلها . صح ; لأنه قد يعرف ماله وديونه . وإن قال : بع ما شئت من مالي ، واقبض ما شئت من ديوني . جاز ; لأنه إذا جاز التوكيل في الجميع ، ففي بعضه أولى .

                                                                                                                                            وإن قال : اقبض ديني كله ، وما يتجدد في المستقبل . صح . وقال أصحاب الشافعي : إذا قال : بع ما شئت من مالي . لم يجز . وإن قال : من عبيدي . جاز ; لأنه محصور بالجنس . [ ص: 56 ] ولنا ، أن ما جاز التوكيل في جميعه ، جاز في بعضه ، كعبده . وإن قال : اشتر لي عبدا ، تركيا ، أو ثوبا هرويا . صح .

                                                                                                                                            وإن قال : اشتر لي عبدا ، أو قال ثوبا ولم يذكر جنسه ، صح أيضا . وقال أبو الخطاب : لا يصح . وهو مذهب الشافعي ، لأنه مجهول . ولنا ، أنه توكيل في شراء عبده ، فلم يشترط ذكر نوعه ، كالقراض . ولا يشترط ذكر قدر الثمن . ذكره القاضي . وقال أبو الخطاب : لا يصح حتى يذكر قدر الثمن .

                                                                                                                                            وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ; لأن العبيد تتفاوت من الجنس الواحد ، وإنما تتميز بالثمن . ولنا ، أنه إذا ذكر نوعا ، فقد أذن في أغلاه ثمنا ، فيقل الغرر ، ولأن تقدير الثمن يضر ، فإنه قد لا يجد بقدر الثمن . ومن اعتبر ذكر الثمن ، جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية