الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقابل - عليه السلام - تهديدهم ذلك بما ذكر؛ تنبيها على عدم الاكتراث به، وأنه راغب في الخلاص من سوء جوارهم؛ لشدة بغضه لعملهم ولذلك أعرض عن محاورتهم، وتوجه إلى الله تعالى قائلا: رب نجني وأهلي مما يعملون أي: من شؤم عملهم أو الذي يعملونه وعذابه الدنيوي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يحتمل أن يكون دعاء بالنجاة من التلبس بمثل عملهم، وهو بالنسبة إلى الأهل دونه - عليه السلام - إذ لا يخشى تلبسه بذلك لمكان العصمة، واعترض بأن العذاب كذلك إذ لا يعذب من لم يجن، وفيه منع ظاهر، كيف وقد قال سبحانه: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: قد يدعو المعصوم بالحفظ عن الوقوع فيما عصم عنه، كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم - عليه السلام -: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام وهو مسلم ، إلا أن الظاهر أن المراد النجاة مما ينالهم بسبب عملهم من العذاب الدنيوي، ويؤيده ظاهر قوله تعالى: فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن المراد بأهله أهل بيته، وجوز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازا، فيشمل أهل بيته المؤمنين وسائر من آمن به. وقيل: لا حاجة إلى هذا التعميم إذ لم يؤمن به - عليه السلام - إلا أهل بيته، والمراد بهذه العجوز امرأته - عليه السلام - وكانت كافرة مائلة إلى القوم راضية بفعلهم، والتعبير عنها بالعجوز؛ للإيماء [ ص: 117 ] إلى أنه مما لا يشق أمر هلاكها على لوط - عليه السلام - وسائر أهله بمقتضى الطبيعة البشرية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: للإيماء إلى أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزا، والغابر الباقي بعد مضي من معه، وأنشد ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في ذلك قول عبيد بن الأبرص :


                                                                                                                                                                                                                                      ذهبوا وخلفني المخلف فيهم فكأنني في الغابرين غريب



                                                                                                                                                                                                                                      والمراد: فنجيناه وأهله من العذاب بإخراجهم من بينهم ليلا عند مشارفة حلوله بهم إلا عجوزا مقدرة في الباقين في العذاب بعد سلامة من خرج.

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما اعتبر البقاء في العذاب دون البقاء في الدار؛ لما روي أنها خرجت مع لوط - عليه السلام - فأصابها حجر في الطريق فهلكت، وقيل: المراد من الباقين في الدار بناء على أنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها، أو أنها خرجت ثم رجعت فهلكت كما في بعض الروايات، أو أنها لم تخرج مع لوط - عليه السلام - أصلا كما في البعض الآخر منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الغابر طويل العمر، وكأنه إنما أطلق عليه ذلك لبقائه مع مضي من كان معه، والمراد وصف العجوز بأنها طاعنة في السن، وقرأ عبد الله - كما روى عنه مجاهد -: «وواعدنا أن نؤتيه أهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين».

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية