الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          النوع الثاني : قسمة الإجبار : وهي ما لا ضرر فيها ، ولا رد عوض ، كالأرض الواسعة والقرى والبساتين ، والدور الكبار والدكاكين الواسعة ، والمكيلات والموزونات من جنس واحد ، سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر ، أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان . فإذا طلب أحدهما قسمه وأبى الآخر أجبر عليه ، وهذه القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب ، وليست بيعا فتجوز قسمة الوقف وإن كان نصف العقار طلقا ونصفه وقفا ، جازت قسمته .

                                                                                                                          وتجوز قسمة الثمار خرصا ، وقسمة ما يكال وزنا ، وما يوزن كيلا ، والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض وإذا حلف لا يبيع ، فقسم لم يحنث . وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع ، فلا يجوز فيها ذلك . وإن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحا ، وبعضها بعلا ، أو في بعضها نخل ، وفي بعضها شجر ، فطلب أحدهما قسم كل عين على حدة ، وطلب الآخر قسمها أعيانا بالقيمة ، قسمت كل عين على حدة إذا أمكن .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( النوع الثاني : قسمة الإجبار ) لأنه يلي الأول ، وهو قسمة التراضي . ( وهي ما لا ضرر فيها ، ولا رد عوض ، كالأرض الواسعة والقرى والبساتين ، [ ص: 129 ] والدور الكبار والدكاكين الواسعة ) والمراد به أحدها ـ سواء أكانت متساوية الأجزاء أو لا ـ إذا أمكن قسمها بالتعديل ، بأن لا يجعل شيء معها ، فلهما قسم أرض بستان وحدها وغلته والجميع ، فإن قسما الجميع أو الأرض فقسمة إجبار ، ويدخل الشجر تبعا .

                                                                                                                          وإن قسما الشجر فقط فتراض ، ولأن جواز قسم الأرض مع اختلافها يدل على جواز قسم ما لا يختلف بطريق التنبيه ، سواء قلنا : القسمة بيع أو إفراز ( والمكيلات والموزونات من جنس واحد ) لأن الغرض تمييز الحق ، وذلك لا يختلف بالنسبة إلى ذلك . فإن كان فيها أنواع كحنطة وشعير وتمر وزبيب ، فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته ، أجبر الممتنع ، وإن طلب قسمها أعيانا بالقيمة ، لم يجبر ؛ لأن هذا بيع نوع بنوع آخر ، وليس بقسمة ، فلم يجبر عليه كغير الشريك ، فإن تراضيا عليه جاز ، وكان بيعا يعتبر له التقابض قبل التفرق فيما يعتبر فيه التقابض وسائر شروط البيع ( سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر ، أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان ) ونحوها ، لما قلنا من أن الغرض تمييز الحق ( فإن طلب أحدهما ) القسم ( وأبى الآخر أجبر ) الممتنع هو أو وليه ، وكذا حاكم في الأشهر ( عليه ) لأنه يتضمن إزالة الضرر الحاصل بالشركة ، وحصول النفع للشريكين ؛ لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ، ويتمكن من إحداث الغراس والبناء ، وذلك لا يمكن مع الاشتراك [ ص: 130 ] ويشترط له ـ مع ما ذكره المؤلف ـ أن يثبت عند الحاكم أنه ملكهما ببينة ؛ لأن في الإجبار عليهما حكما على الممتنع منهما ، فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه ، بخلاف حالة الرضى ؛ فإنه لا يحكم على أحدهما ، ولم يذكره آخرون ، وجزم به في " الروضة " ، واختاره الشيخ تقي الدين كبيع مرهون وجان .

                                                                                                                          ونقل حرب : فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم ، فهربوا منه ، يقسم عليهم ويدفع إليه حقه .

                                                                                                                          قال الشيخ تقي الدين : وإن لم يثبت ملك الغائب ، فدل أنه يجوز ثبوته ، وأنه أولى .

                                                                                                                          وفي " المحرر " : يقسم حاكم على غائب قسمة إجبار ، وفي " المبهج " و " المستوعب " : بل مع وكيله فيها الحاضر ، واختاره في " الرعاية " في عقار بيد غائب ( وهذه القسمة إفراز ) يقال : فرزت الشيء وأفرزته إذا عزلته ، والإفراز : مصدر أفرز ( حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب ) وقاله في " المحرر " ، وصححه في " المستوعب " ، وجزم به في " الوجيز " لأنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ، ولا تجب فيها شفعة .

                                                                                                                          ويلزم بإخراج القرعة ، ويتقدر أحد النصيبين بمقدر ، ويدخلها الإجبار ( وليست بيعا ) لأنها تخالفه في الأحكام والأسباب ، فلم تكن بيعا كسائر العقود [ ص: 131 ] ( فتجوز قسمة الوقف ) أي : تصح بلا رد من أحدهما ( وإن كان نصف العقار طلقا ) الطلق : - بكسر الطاء - الحلال ، وسمي المملوك طلقا ؛ لأن جميع التصرفات فيه حلال ، والموقوف ليس كذلك ( ونصفه وقفا جازت قسمته ) إن طلبها صاحب الطلق ، فإن كان فيها رد ، عوض وفعلا ذلك في وقف لم يجز ؛ لأن بيعه غير جائز ، وإن كان من أهل الوقف جاز ؛ لأنهم يشترون بعض الطلق ، ذكره معظم الأصحاب ( وتجوز قسمة الثمار خرصا ) أي : التي تخرص ( وقسمة ما يكال وزنا وما يوزن كيلا ) لأن الغرض التمييز ، زاد فيهما في " الترغيب " على الأصح .

                                                                                                                          فرع : يجوز قسم لحم رطب بمثله ، ولحم هدي وأضاح ، ولا يجوز بيعه ( والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض ) لأن التفرق إنما منع منه في البيع ( وإذا حلف لا يبيع فقسم ، لم يحنث ) لأن ذلك ليس ببيع ( وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع ) لأنه يبذل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من السهم الآخر ، وهذا حقيقة البيع ( فلا يجوز فيها ذلك ) فلا تجوز قسمة ما كله وقف أو بعضه .

                                                                                                                          وفي " المحرر " عليهما : إن كان الرد من رب وقف لرب الطلق ، جازت قسمته بالتراضي في الأصح .

                                                                                                                          وفي " الترغيب " عليهما : ما كله وقف لا تصح قسمته في الأصح ، ولا شفعة مطلقا لجهالة ثمن ويفسخ بعيب . [ ص: 132 ] وقيل : يبطل لفوات التعديل ، وإن بان غبن فاحش لم تصح .

                                                                                                                          وعلى الثاني : كبيع ، ويصح بقوله : رضيت ؛ بدون لفظ القسمة ، وفيه على الثاني في " الترغيب " وجهان .

                                                                                                                          ملحق : قال القاضي : في " الخلاف " وابن الزاغوني في " الواضح " : ويثبت في القسمة الخياران على المذهبين جميعا ؛ لأن وضعهما للنظر ، وهذا يحتاج إليه هنا .

                                                                                                                          وفي " النهاية " : القسمة إفراز حق على الصحيح ، فلا يدخلها خيار المجلس ، وإن كان فيها رد احتمل أن يدخلها خيار المجلس ( وإن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحا ، وبعضها بعلا ، وفي بعضها نخل ، وفي بعضها شجر ، فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدة ، وطلب الآخر قسمها أعيانا بالقيمة ، قسمت كل عين على حدة إذا أمكن ) لأنه أقرب إلى التعديل ، لأن لكل واحد منهما حقا في الجميع ، ولأن الحامل على القسمة زوال الشركة ، وهو حاصل فيما ذكر .

                                                                                                                          وحينئذ فتتعين إجابة طالبه ، لأن ضرر صاحبه يزول بإجابته ، وإذا لم يمكن قسمة كل عين على حدة قسم الجميع إن كان قابلا لها ، وإلا فلا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية