الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع فيما اختص به-صلى الله عليه وسلم- في أمته في الآخرة وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                              الأولى : اختص -صلى الله عليه وسلم- بأن أمته أول من تنشق عنهم الأرض .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم عن ابن عباس قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أرسلت إلى الجن والإنس وإلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء ، وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب أمامي شهرا ، وأعطيت خواتم سورة البقرة ، وكانت من كنوز العرش ، وخصصت بها دون الأنبياء ، وأعطيت المثاني مكان التوراة والمئين مكان الإنجيل ، والحواميم مكان الزبور ، وفصلت بالمفصل وأنا سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، ولا فخر ، وأنا أول من تنشق الأرض عني ، وعن أمتي ولا فخر وبيدي لواء الحمد يوم القيامة ، وجميع الأنبياء تحته ولا فخر وإلي مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر ، وبي تفتح الشافعة ولا فخر ، وأنا سابق الخلق إلى الجنة ولا فخر ، وأنا إمامهم وأمتي بالأثر" .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية : وبأنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة : وبأن لهم سيما في وجوههم من أثر السجود .

                                                                                                                                                                                                                              قال الله سبحانه وتعالى : سيماهم في وجوههم من أثر السجود [الفتح - 29] .

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة : وبأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة : وبأن ذريتهم تسعى بين أيديهم . خصائص الأمة المحمدية

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن حذيفة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن حوضي أبعد من أيلة من عدن ، إني لأذود عنه الرجل كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه ، قيل : يا رسول الله ، أتعرفنا ؟ قال : نعم ، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء وسيماكم ليست لأحد غيركم" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبزار عن أبي الدرداء- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة ، وأنا أول من يرفع رأسه فأنظر إلى بين يدي ، فأعرف أمتي من بين الأمم ، ومن خلفي مثل ذلك ، وعن يميني مثل ذلك ، وعن شمالي مثل ذلك ، فقال رجل : يا رسول الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك ؟ قال : هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم ، وأعرفهم أنهم بأيمانهم تسعى . [ ص: 390 ]

                                                                                                                                                                                                                              ذريتهم بين أيديهم"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "إني لأعرف أمتي يوم القيامة من بين الأمم" ، قالوا : يا رسول الله ، كيف تعرف أمتك ؟ قال : "أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم" .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة : وبأنهم يكونون في الموقف على كوم عال .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة : وبأن لهم نورين كالأنبياء ، وليس لغيرهم إلا نور واحد . كما سبق ويأتي في آخر الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة : وبأنهم يمرون على الصراط كالبرق الخاطف وكالريح .

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة : وبأنهم يشفع محسنهم في مسيئهم .

                                                                                                                                                                                                                              العاشرة : وبأن عذابها معجل في الدنيا ، وفي البرزخ لتوافي القيامة ممحصة .

                                                                                                                                                                                                                              الحادي عشرة : وبأنها تدخل قبورها بذنوبها ، وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية عشرة : وبأن كل واحد منهم يعطى يهوديا أو نصرانيا فيقال له : يا مسلم ، هذا فداؤك من النار .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو يعلى والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إن عذاب هذه الأمة جعل في دنياها" .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن رجل من الصحابة قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : "عقوبة هذه الأمة السيف" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه والبيهقي في البعث عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن هذه الأمة مرحومة ، عذابها بأيديها ، فإذا كان يوم القيامة ، دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال له : هذا فداؤك من النار" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في الأوسط عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أمتي أمة مرحومة ، تدخل قبورها بذنوبها ، وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها ، تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره" . [ ص: 391 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال الحكيم الترمذي : يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف ، فيمحص في البرزخ ، فيخرج من القبر وقد اقتص منه" .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة عشرة : وبأن لها ما سعت ، وما سعي لها وليس لمن قبلهم إلا ما سعى ، قاله عكرمة- رضي الله تعالى عنه- ، ورواه ابن أبي حاتم عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة عشرة : وبأنهم يقضى لهم قبل الخلائق .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه عن أبي هريرة وحذيفة- رضي الله عنهم- قالا : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق" .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة عشرة : وبأنهم يغفر لهم المقحمات .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن ابن مسعود في حديث المعراج قال : أعطي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس . وأعطي خواتيم سورة البقرة . وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة عشرة : وبأنهم أثقل الناس ميزانا .

                                                                                                                                                                                                                              روى الأصبهاني في "ترغيبه" عن ليث- رضي الله تعالى عنه- قال : قال عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- : "أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أثقل الناس في الميزان ، ذلت ألسنتهم لكلمة ثقلت على من كان قبلهم لا إله إلا الله" .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة عشرة : وبأنهم نزلوا منزلة العدول من الحكام ، فيشهدون على الناس أن رسلهم بلغتهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الله سبحانه وتعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة - 143] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "يجيء النبي يوم القيامة ، ومعه الرجل ، والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك ، فيقال لهم : هل بلغتم ؟ فيقولون : نعم ، فيدعى قومهم ، فيقال لهم : هل بلغوكم ؟ فيقولون : لا ، فيقال للنبيين : من يشهد لكم أنكم بلغتم ؟ فيقولون : أمة محمد ، فتدعى أمة محمد ، فيشهدون أنهم قد بلغوا ، فيقال لهم : وما علمكم أنهم قد بلغوا ؟ فيقولون : جاءنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه ، فيقال لهم : صدقتم . فذلك قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا [البقرة 143] .

                                                                                                                                                                                                                              قال : عدولا ،
                                                                                                                                                                                                                              ورواه البخاري مختصرا . [ ص: 392 ]

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة عشرة : "بأنهم يدخلون الجنة قبل سائر الأمم" .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني بسند حسن عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة عشرة : ويدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية