الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            سورة الكهف

            مسألة : من حلب - قد وقع في تفسير القاضي البيضاوي موضع عسر فهمه في تفسير قوله تعالى في سورة الكهف : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ) والاستثناء من النهي ؛ أي : لا تقولن لأجل شيء تعزم عليه : إني فاعله فيما يستقبل إلا بأن يشاء الله ؛ أي : إلا ملتبسا بمشيئته قائلا : إن شاء الله ؛ أي : إلا وقت أن يشاء الله أن يقوله بمعنى أن يأذن لك ، ولا يجوز تعليقه بفاعل ; لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد ، واستثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي . انتهى .

            والمقصود بيان ذلك ، ويوضح ذلك قوله : ولا يجوز تعليقه بفاعل ; لأن إلى آخره فإن هذا عسر فهمه على كثير من الناس .

            الجواب : سبب ذلك وجازة العبارة واختصارها ، ويوضحه ما في عبارة ابن الحاجب حيث قال : الوجه فيه أن يكون استثناء مفرغا كقولك : لا تجيء إلا بإذن زيد ، ولا تخرج إلا عشية على أن يكون الأعم المحذوف حالا أو مصدرا ، وحذفت الباء من بأن يشاء الله ؛ أي : إلا بذكر المشيئة ، وقد علم ذكر المشيئة المستصحبة في الأخبار عن الفعل المستقبل هي المشيئة المذكورة بحرف الشرط ، أو ما في معناه كقولك : لأفعلن إن شاء الله أو بمشيئة الله ، وما أشبهها ، قال : وأما ما ذكر أنه متصل بقوله : إني فاعل ؛ ففاسد إذ يصير المعنى : إني فاعل بكل حال إلا في حال مشيئة الله ، فيصير المعنى النهي عن أن يقول : إني فاعل إن شاء الله ، وهذا لا يقوله أحد ، انتهى .

            وقد وضح بهذا معنى قول القاضي : ولا يجوز تعليقه بفاعل ; لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد ، وهذا [ ص: 373 ] التعليل من زوائده على الكشاف أخذه من أمالي ابن الحاجب ، وقول القاضي : واستثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي . هذا التعليل هو المذكور في الكشاف : وعبارته : لا بقوله إني فاعل ; لأنه لو قال : إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله كان معناه إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله ، وذلك ما لا مدخل فيه للنهي انتهى .

            والحاصل : أن القاضي علل إبطال تعلقه بقوله : إني فاعل بأمرين : أحدهما أنه يؤدي إلى النهي عن أن يقول : إني فاعل إن شاء الله ، وذلك فاسد ، والثاني أنه يؤدي إلى أن المعنى : إني فاعل إلا أن تعترض المشيئة دون الفعل ، وهذا القدر وإن كان صحيحا في نفسه إلا أنه لا مدخل للنهي فيه فلا يلتئم معه قوله : ولا تقولن لشيء فبطل تعليق الاستثناء بقوله : إني فاعل وتعين تعليقه بالنهي ، والأول من الأمرين ذكره ابن الحاجب ولم يذكره صاحب الكشاف فجمع القاضي بينهما كعادته في الجمع والإيجاز .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية