الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ب - القول في الطواف بالبيت

والكلام في الطواف ، في صفته وشروطه وحكمه في الوجوب أو الندب وفي أعداده .

القول في الصفة

والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجبا كان أو غير واجب أن يبتدئ من الحجر الأسود ، فإن استطاع أن يقبله قبله أو يلمسه بيده ويقبلها إن أمكنه ، ثم يجعل البيت على يساره ، ويمضي على يمينه ، فيطوف سبعة أشواط ، يرمل في الثلاثة الأشواط الأول ، ثم يمشي في الأربعة ، وذلك في طواف القدوم على مكة ، وذلك للحاج والمعتمر دون المتمتع ، وأنه لا رمل على النساء ، ويستلم الركن اليماني [ ص: 282 ] - وهو الذي على قطر الركن الأسود - لثبوت هذه الصفة من فعله - صلى الله عليه وسلم - .

واختلفوا في حكم الرمل في الثلاثة الأشواط الأول للقادم هل هو سنة أو فضيلة ؟ فقال ابن عباس : هو سنة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد وأبو ثور . واختلف قول مالك في ذلك وأصحابه .

والفرق بين القولين : أن من جعله سنة أوجب في تركه الدم ، ومن لم يجعله سنة لم يوجب في تركه شيئا .

واحتج من لم ير الرمل سنة بحديث ابن الطفيل عن ابن عباس قال : قلت لابن عباس : زعم قومك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طاف بالبيت رمل وأن ذلك سنة ، فقال : صدقوا وكذبوا ، قال : قلت : ما صدقوا وما كذبوا ؟ قال : صدقوا ; رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طاف بالبيت ، وكذبوا ; ليس بسنة ، إن قريشا زمن الحديبية قالوا : إن به وبأصحابه هزالا وقعدوا على قعيقعان ينظرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لأصحابه : ارملوا أروهم أن بكم قوة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمل من الحجر الأسود إلى اليماني ، فإذا توارى عنهم مشى " .

وحجة الجمهور حديث جابر " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل في الأشواط في حجة الوداع ومشى أربعا " . وهو حديث ثابت من رواية مالك وغيره .

قالوا : وقد اختلف على أبي الطفيل عن ابن عباس فروي عنه : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود " . وذلك بخلاف الرواية الأولى .

وعلى أصول الظاهرية يجب الرمل لقوله : " خذوا عني مناسككم " . وهو قولهم أو قول بعضهم الآن فيما أظن .

وأجمعوا على أنه لا رمل على من أحرم بالحج من مكة من غير أهلها - وهم المتمتعون - لأنهم قد رملوا في حين دخولهم حين طافوا للقدوم .

واختلفوا في أهل مكة هل عليهم إذا حجوا رمل أم لا ؟ فقال الشافعي : كل طواف قبل عرفة مما يوصل بينه وبين السعي فإنه يرمل فيه ، وكان مالك يستحب ذلك ، وكان ابن عمر لا يرى عليهم رملا إذا طافوا بالبيت على ما روى عنه مالك .

وسبب الخلاف : هل الرمل كان لعلة أو لغير علة ؟ وهل هو مختص بالمسافر أم لا ؟ وذلك أنه كان - عليه الصلاة والسلام - حين رمل واردا على مكة .

واتفقوا على أن من سنة الطواف استلام الركنين الأسود واليماني للرجال دون النساء .

واختلفوا هل تستلم الأركان كلها أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه إنما يستلم الركنان فقط لحديث ابن عمر : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يستلم إلا الركنين فقط " . واحتج من رأى استلام جميعها بما روي عن جابر قال : " كنا نرى إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها ، وكان بعض السلف لا يحب أن يستلم الركنين إلا في الوتر من الأشواط " .

وكذلك أجمعوا على أن تقبيل الحجر الأسود خاصة من سنن الطواف إن قدر ، وإن لم يقدر على الدخول إليه قبل يده ، وذلك لحديث عمر بن الخطاب الذي رواه مالك أنه قال وهو يطوف بالبيت حين [ ص: 283 ] بلغ الحجر الأسود : " إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك ، ثم قبله " .

وأجمعوا على أن من سنة الطواف ركعتين بعد انقضاء الطواف ، وجمهورهم على أنه يأتي بها الطائف عند انقضاء كل أسبوع إن طاف أكثر من أسبوع واحد . وأجاز بعض السلف أن لا يفرق بين الأسابيع وأن لا يفصل بينهما بركوع ، ثم يركع لكل أسبوع ركعتين ، وهو مروي عن عائشة أنها كانت لا تفرق بين ثلاثة الأسابيع ، ثم تركع ست ركعات .

وحجة الجمهور : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وقال : خذوا عني مناسككم " .

وحجة من أجاز الجمع أنه قال : المقصود إنما هو ركعتان لكل أسبوع ، والطواف ليس له وقت معلوم ، ولا الركعتان المسنونتان بعده ، فجاز الجمع بين أكثر من ركعتين لأكثر من أسبوعين ، وإنما استحب من يرى أن يفرق بين ثلاثة الأسابيع لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف إلى الركعتين بعد وتر من طوافه ، ومن طاف أسابيع غير وتر ثم عاد إليها لم ينصرف عن وتر من طوافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية