الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 147 ] وإذا تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام : أحدها : أن تكون في يد أحدهما ، فهي له مع يمينه أنها له ، لا حق للآخر فيها ، إذا لم تكن بينة ، ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل ، والآخر بكمه ، فهو آخذ للابسه .

                                                                                                                          وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص فهما للخياط ، وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب ، وإن تنازعا عرصة فيها شجر ، أو بناء لأحدهما فهي له ، وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده ، أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه ، أو له عليه أزج فهو له ، وإن كان محلولا من بنائهما ، أو معقودا بهما فهو بينهما ، ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه الآجر ، والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخص .

                                                                                                                          وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوب أو درجة ، فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون بينهما .

                                                                                                                          وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما ، وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار ، فهو لصاحبها ، وإلا فهو بينهما .

                                                                                                                          وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما ، وادعى الآخر نصفها ، جعلت بينهما نصفين ، واليمين على مدعي النصف .

                                                                                                                          وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت ، فما كان يصلح للرجل فهو للرجل ، وما يصلح للنساء فهو للمرأة ، وما يصلح لهما فهو بينهما ، وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما ، حكم بآلة كل صناعة لصاحبها ، في ظاهر كلام أحمد والخرقي ، وقال القاضي : إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك ، وإن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال ، وكل من قلنا فهو له مع يمينه إذا لم تكن بينة ، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ، وإن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب ، وعنه : إن شهدت بينة المدعى عليه أنها له نتجت في ملكه ، أو قطيعة من الإمام ، قدمت بينته ، وإلا فهي للمدعي ببينته ، وقال القاضي فيهما : إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها ، رواية واحدة ، وقال أبو الخطاب ـ في رواية أخرى ـ : أنها مقدمة بكل حال ، وإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج ، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل ، فقال القاضي : تقدم بينة الداخل ، وقيل : تقدم بينة الخارج .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإذا تداعيا عينا لم تخل من أقسام ثلاثة : أحدها : أن تكون في يد أحدهما ، فهي له مع يمينه أنها له ، لا حق للآخر فيها ، إذا لم تكن بينة ) لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه . متفق عليه .

                                                                                                                          ولقوله في قضية الحضرمي والكندي : شاهداك أو يمينه ، ليس لك منه إلا ذلك ، رواه مسلم لأن اليد دليل الملك ظاهرا ، أو لأن من ليست له يحتمل أن تكون له ، فشرعت اليمين في حق صاحبه من أجل ذلك .

                                                                                                                          وظاهره : أنه إذا كان له بينة تظهر الحق أنه لا يحلف معها ، لكن لا يثبت الملك بذلك كثبوته بالبينة ، فلا شفعة له بمجرد اليد ، ولا عاقلة صاحب الحائط بمجرد اليد ؛ لأن الظاهر لا تثبت فيه الحقوق وإنما ترجح به الدعوى ، وفي " الروضة " : أن اليد دليل الملك ، وفي " التمهيد " : ببينة ( ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل ) الحمل : بالكسر ، ما على رأس وظهر ، وبالفتح : ما في بطن الحبلى ، وفي حمل الشجرة بهما ( والآخر آخذ بزمامها ) وقيل : غير مكار ( فهي للأول ) لأن تصرفه أقوى ، ويده آكد ، لأنه المستوفي للمنفعة ، فإن كان لأحدهما عليها حمل ، والآخر راكبها فهي للراكب ، فإن ادعيا الحمل فهو للراكب ؛ لأن يده على الدابة والحمل معا ، أشبه ما لو اختلف الساكن ومالك الدار في قماش فيها ، بخلاف السرج فإنه في العادة لصاحب الفرس ( وإن تنازعا قميصا ، أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه ، فهو للابسه ) لأنه أحسن حالا من الراكب مع الأخذ [ ص: 148 ] بالزمام ، فالراكب أولى ، فكذا ما هو أحسن حالا منه ، فإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه مع الآخر ، أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها بيد الآخر ، تحالفا وهي بينهما ، فيمين كل واحد على النصف الذي أخذه .

                                                                                                                          وعنه : يقرع بينهما ، فمن قرع حلف وأخذها ، إلا أن يدعي واحد نصفها فأقل ، والآخر كلها أو أكثر مما بقي ، فيصدق مدعي الأقل بيمينه ، نص عليه ، وذكر جمع : يتحالفان ( وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص ) بكسر الميم ، وتسمى كل فردة مقصا ( فهما للخياط ) لأن تصرف الخياط في ذلك أظهر ، والظاهر معه فكان أقوى ، وإن نازعه الخياط في قميص يخيطه فيها ، أو النجار في خشب ينجره فيها ، أو في فرش وقطن وصوف ، فهو لصاحب الدار عملا بالعادة ( وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب ) لما ذكرنا بخلاف الخابية والجرار فإنهما لصاحب الدار ( وإن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له ) لأن ذلك دليل الملك ظاهرا ، وقال ابن حمدان : إن ثبتا بالاقتدار فهو بينهما ( وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده ، أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه ، أو له عليه أزج ) قال الجوهري : هو ضرب من الأبنية ، وقال ابن المنجا : هو القبو ( فهو له ) لأن ذلك يرجح قول مدعيه ، فكان له عملا بالظاهر ، وهو قول أكثرهم ، ويحلف لخصمه .

                                                                                                                          وظاهره : أنه إذا أمكن إحداثه لم يرجح بذلك ، وهو قول القاضي ، لاحتمال أن يكون فعل ذلك ليتملك الحائط المشترك . [ ص: 149 ] ظاهر الخرقي : أنه يترجح بهذا الاتصال عملا بالظاهر ( وإن كان محلولا من بنائهما ، أو معقودا بهما فهو بينهما ) لأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، ويحلف كل منهما لصاحبه أن نصف الحائط له ، وإن حلف كل واحد على جميعه أنه له وما هو لصاحبه جاز ، وإن نكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان ، وإن نكل أحدهما قضي عليه وكان الكل للآخر ، فإن أقام كل منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما ( ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ) قاله الأصحاب ؛ لأن هذا مما يسمح به الجار ، وهو عندنا حق يجب التمكين منه ، أشبه إسناد متاعه إليه وتزويقه .

                                                                                                                          ويحتمل أن ترجح به الدعوى ، ورجحه في " الشرح " كالباني عليه ، ولأن كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه ، وأكثر الناس لا يتسامحون به ، ولأن الحائط يبنى لذلك ، فترجح به كالأزج .

                                                                                                                          والظاهر : أنها لا ترجح ، بخلاف الجذعين ونحوهما ؛ لأن الحائط يبنى لهما ( ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ) والتحسين ، ولا يكون لأحدهما له على الآخر سترة غير مبينة ؛ لأنه مما يتسامح به ويمكن إحداثه ( ومعاقد القمط ) المعاقد : جمع معقد - بكسر القاف - ما تشد به الأخصاص ( في الخص ) وهو بيت يعمل من خشب وقصب ، وجمعه أخصاص ، سمي به لما فيه من الفروج والأنقاب .

                                                                                                                          وحاصله : أنها لا يرجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ، [ ص: 150 ] ووجوه الآجر والحجارة ، ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي أحدهما ، ولا معاقد القمط في الخص ، يعني الخيوط التي يشد بها الخص .

                                                                                                                          والحديث المروي عن عمران ـ رواه سعيد وابن ماجه ـ ضعفه جماعة منهم : أحمد وإسحاق وابن المنذر ولأن العرف جار بأن من بنى حائطا جعل وجه الحائط كما إذا لبس ثيابه ، فيجعل أحسنها أعلاها الظاهر للناس ، ليروه فيتزين به ( وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوب أو درجة ) منصوبة ، ( فهي لصاحب العلو ) لأن الظاهر أن ذلك له ، لكونه يراد للصعود ، والعرصة التي عليها الدرجة له أيضا لانتفاعه بها وحده ( إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون بينهما ) لأن يدهما عليها لكونها سقفا للسفلاني وموطئا للفوقاني .

                                                                                                                          قال في " الشرح " : وإن كان تحتها طاق صغير لم تبن الدرجة لأجله ، وإنما جعل مرفقا يجعل فيه جب الماء ، فهي لصاحب العلو ؛ لأنها بنيت لأجله .

                                                                                                                          ويحتمل أن تكون بينهما ؛ لأن يدهما عليها وانتفاعهما حاصل بها ، فهي كالسقف .

                                                                                                                          وفي " المحرر " و " الرعاية " : فإن كان في الدرجة طاقة ونحوها ، فهل تكون بينهما ؛ على وجهين .



                                                                                                                          مسألة : إذا كانت دار فيها أربعة أبيات : واحد ساكن في أحد أبياتها ، وآخر ساكن في البواقي ، واختلفا فيها ، كان لكل واحد ما هو ساكن فيه ؛ [ ص: 151 ] لأن كل بيت ينفصل عن صاحبه ، ولا يشارك الخارج منه الساكن فيه لثبوت اليد عليه ، وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت ، فهي بينهما نصفان ؛ لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها ( وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما ) جزم به في " المحرر " و " المستوعب " و " الوجيز " ؛ لأنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به ، غير متصل ببناء أحدهما اتصال البنيان ، فكان بينهما كالحائط بين الملكين ، ويتحالفان .

                                                                                                                          وقال ابن عقيل : هو لصاحب العلو ؛ لأنه لا يمكنه السكنى إلا به .

                                                                                                                          وقال ابن حمدان : إن أمكن إحداثه بعد بناء العلو فهو لهما من غير يمين ، وإن تعذر ، فهو لرب السفل إن حلف . وإن تنازعا حائط العلو أو سقفه فهو لربه ؛ لأنه مختص به ، وإن تنازعا حائط السفل فهو لربه ، لم يذكر في " الشرح " غيره ؛ لأنه المنتفع به وهو من جملة البيت ، فكان لصاحبه ، وقيل : هو بينهما ؛ لأنه لنفعهما ، فهو كالسلم تحت مسكن ( وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار ، فهو لصاحبها ، وإلا فهو بينهما ) قاله معظم أصحابنا ؛ لأن الظاهر أن الرف والمصراع تابع للمنصوب ، وذلك لصاحب الدار فكذا ما يتبعه ، وإما كونه بينهما ؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ، ويتحالفان .

                                                                                                                          وذكر في " الكافي " و " الشرح " : أن ما يتبع الدار في البيع لرب الدار ؛ لأنه [ ص: 152 ] من توابعها ، أشبه الشجرة المغروسة فيها ، وما لا يتبعها للمكتري ؛ لأن يده عليها ، والعادة من أن الإنسان يؤجر داره فارغة .

                                                                                                                          ونصه لمؤجر مطلقا كما لو لم يدخل في بيع ، وكذا ما لا يدخل في البيع وجرت العادة به ، وما لم تجر العادة به فلمكتر ( وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها ، جعلت بينهما نصفين ، واليمين على مدعي النصف ) نص عليه ؛ لأن مدعي الكل في يده نصف لا منازع فيه ، ومدعي النصف في يده نصف مدعى عليه به ، وهو ينكره ، والقول قول المنكر مع يمينه للخبر . ولا أعلم فيه خلافا ، إلا ما حكي عن ابن شبرمة أن لمدعي الكل ثلاثة أرباعها ؛ لأن النصف لا منازع فيه ، والنصف الآخر يقسم بينهما على حسب دعواهما فيه . وجوابه : سبق .

                                                                                                                          وذكر أبو بكر وابن أبي موسى أنهما يتحالفان ، وهي بينهما نصفان ، وكذا لو ادعى أحدهما ثلثها ، والآخر جميعها ، وإن أقام كل منهما بينة ، فظاهر المذهب : أنها للمدعي بتقدم بينته ؛ لأنه خارج في النصف ، وإن قدمنا بينة الداخل فالنصف لمدعيه ، وقيل : إن سقطتا فالتسوية ، وفي اليمين روايتان ، وإن كانت بيد ثالث فلمدعي الكل ثلاثة أرباعها ، ولمدعي النصف ربع مع البينة والتحالف ، نص عليه .

                                                                                                                          وعنه : هي لهما نصفين للتساقط ، وقيل : يقترعان على النصف . وإن كانت [ ص: 153 ] بيد ثلاثة فادعى أحدهم نصفها ، والآخر ثلثها ، والثالث سدسها ، فهي لهم كذلك ، سواء أقام كل واحد منهم بينة أم لا ( وإن تنازع الزوجان ) حرين كانا أو رقيقين ، أو أحدهما أو بعضه ( أو ورثتهما ) أو أحدهما وورثة الآخر ( في قماش البيت ، فما كان يصلح للرجال ) كالسيف والعمامة ( فهو للرجل ) لأنه الظاهر ( وما يصلح للنساء ) كالحلي وزينتهن ( فهو للمرأة ) لما ذكرنا ( وما يصلح لهما فهو بينهما ) لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ، وقيل : ولا عادة ، نقل الأثرم : المصحف لهما ، فإن كانت لا تعرف تكتب ولا تقرأ بذلك فهو له ( وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما ، حكم بآلة كل صناعة لصاحبها ، في ظاهر كلام أحمد والخرقي ) قدمه في " المحرر " و " المستوعب " ، وجزم به في " الوجيز " ، ونصره في " الشرح " عملا بالظاهر ، ولأن الآلة بالنسبة إلى الصانع كالقماش الصالح للرجل بالنسبة إليه ، وكما لو تنازعا فيما في أيديهما ، أشبه ما لو كان في اليد الحكمية ( وقال القاضي ) في المسألتين ( إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك ، وإن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال ) لأن المشاهدة أقوى من اليد الحكمية ، بدليل ما لو تنازع الخياط وصاحب الدار الإبرة والمقص وإن كان في يد أحدهما المشاهدة فهو له .

                                                                                                                          واعلم أنه لا ترجيح مما خرج عن المسكن والدكان بالصلاحية فقط بحال ، لأنه ليس لهما يد حكمية أشبه سائر المختلفين ( وكل من قلنا فهو له مع يمينه ) لأنه يحتمل أن لا يكون له ، فشرعت اليمين من أجل ذلك ( إذا لم [ ص: 154 ] تكن بينة ) لأنها تظهر الحق ( وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ) بغير خلاف ، ولم يحلف لحديث الحضرمي وغيره ، ولأن البينة أحد حجتي الدعوى ، فيكتفى بها كاليمين ، وهذا قول أهل الفتيا من أهل الأمصار .

                                                                                                                          وقال شريح والنخعي والشعبي وابن أبي ليلى : يستحلف الرجل مع بينته . قيل لشريح : ما هذا الذي أحدثت في القضاء ؛ فقال : رأيت الناس أحدثوا فأحدثت ، قال الشيخ شمس الدين ابن القيم : وهذا ليس ببعيد ، لا سيما مع التهمة ، ويخرج في مذهب أحمد وجهان .

                                                                                                                          قال الخلال في " جامعه " : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا مهنا ، قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يقيم الشهود ، أيستقيم للحاكم أن يقول لصاحب الشهود : احلف ؛ قال : قد فعل ذلك علي .

                                                                                                                          قلت : من ذكره ؛ قال : ثنا حفص بن غياث ، ثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن حنيس ، قال : استحلف علي عبيد الله بن الحر الشهود ( وإن كان لكل واحد منهما بينة ) وهي بيد أحدهما ، أقيمت بينة منكر بعد زوال يده أو لا ( حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب ) وهو المشهور عنه ، وقاله الخرقي ، ونصره في " الشرح " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة في جنبة المدعى بقوله : البينة على المدعي فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة ، ولأن بينة المدعي أكثر فائدة ؛ لأنها تثبت شيئا لم يكن ، فوجب تقديمها كبينة الجرح على التعديل ، وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا [ ص: 155 ] دلت اليد عليه فلم تفد ، ولأنه يجوز أن يكون مستند بينة المنكر رؤية التصرف ، ومشاهدة اليد أشبهت اليد المفردة .

                                                                                                                          والثانية : تقدم بينة المنكر مطلقا ، اختارها أبو محمد الجوزي ، وقاله أكثر الفقهاء ، وأبو عبيد ؛ لأنهما تعارضتا ومع صاحب اليد ترجيح بها ، فقدمت كالنصين إذا تعارضا ومع أحدهما القياس ( وعنه : إن شهدت بينة المدعى عليه أنها له نتجت في ملكه ، أو قطيعة من الإمام ، قدمت بينته ) لحديث جابر أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دابة أو بعير ، وأقام كل منهما البينة أنها له أنتجها ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم أنها للذي في يده ولأنها إذا شهدت بالسبب أفادت ما لا تفيده اليد ، وترجحت باليد فوجب ترجيحها ( وإلا ) أي : وإن لم يشهد بذلك ( فهي للمدعي ببينته ) .

                                                                                                                          قال أحمد : البينة للمدعي ، ليس لصاحب الدار بينة ، وعنه : تقدم بينة الداخل ، إلا أن تمتاز بينة الخارج بسبب الملك أو سبقه فإنها تقدم ، وعلى هذا يكفي مطلق السبب .

                                                                                                                          وعنه : تعتبر إفادته للسبق ، فإن شهدت بينة كل منهما أنها أنتجت في ملكه تعارضتا ، وقدم في " الإرشاد " : تقدم بينة خارج ( وقال القاضي فيهما : إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها ، رواية واحدة ) لأن بينة الخارج أقوى منها ، لأنها لا يجوز أن يكون مستندها اليد ، بخلاف بينة الداخل ( وقال أبو [ ص: 156 ] الخطاب ـ في رواية أخرى ـ : أنها ) أي : بينة الداخل ( مقدمة بكل حال ) لأن جنبته أقوى من جنبة الخارج ، بدليل أن يمينه تقدم على يمينه ( وإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج ، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل ، فقال القاضي : تقدم بينة الداخل ) قدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه هو الخارج في المعنى ، لأنه ثبت بالبينة أن المدعي صاحب اليد ، وأن يد الداخل نائبة عنه ( وقيل : تقدم بينة الخارج ) لأنه المدعي ، ولأن اليمين في حق الداخل فتكون البينة في حق الخارج ، وقيل : يتعارضان ، فلو ادعى الخارج أن العين ملكه أودعها إياه أو آجره ، وأنكر الآخر ، وأقاما بينتين ، فبينة الخارج أولى ؛ نصره في " الكافي " و " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " وكما لو لم يدع الوديعة .

                                                                                                                          وقال القاضي : بينة الداخل مقدمة ؛ لأنه هو الخارج في المعنى .

                                                                                                                          ومثله : لو ادعى أن الداخل غصبه إياها .

                                                                                                                          فرع : إذا أقام المدعي بينة ولم يعدلها ، لم تسمع بينة الداخل ، وفيه احتمال ، وتسمع بعد التعديل قبل الحكم وبعده قبل التسليم ، ولا تسمع قبل سماع بينة الخارج ، وتعديلها بعد الحكم والتسليم ، فإن لم يكن للداخل بينة حاضرة ، فرفعنا يده فجاءت بينته ، وقد ادعى ملكا مطلقا في بينة خارج ، وإن ادعاه مستندا إلى ما قبل رفع يده ، فبينة داخل ، والمراد فمن يقدم بينة الداخل يقدمها وينقض الحكم ببينة الخارج ، والمراد إن كان يرى تقديمها عند التعارض ؛ لأنه إنما حكم بناء على [ ص: 157 ] عدم بينة داخل ، فقد بين إسناد ما يمنع الحكم إلى حالة الحكم ، وهو الأشهر للشافعية .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : إذا كان في يد إنسان شاة مسلوخة وباقيها في يد آخر ، فادعاها كل منهما ولا بينة ، فلكل ما في يده مع يمينه ، وإن أقاما بينتين ـ وقلنا بتقديم بينة الخارج ـ فلكل ما في يده من غير يمين .

                                                                                                                          الثانية : إذا كان في يد كل منهما شاة ، فادعى كل منهما أن الشاة التي في يد صاحبه له ، وأقاما بينتين فلكل منهما الشاة التي في يد صاحبه ولا تعارض ، وإن قال كل منهما : الشاة التي في يدك من نتاج شاتي هذه ، فالتعارض في النتاج لا في الملك .

                                                                                                                          الثالثة : إذا ادعى شاة بيد عمرو ، وأقام بينة قضي له ، فإن أقام عمرو بينة أنها ملكه لم تسمع ؛ لأنها بينة داخل له يد .

                                                                                                                          الرابعة : إذا كان في يده شاة ، فادعى عمرو أنها له منذ سنة وأقام البينة ، وادعى زيد أنها في يده منذ سنتين وأقام بينة ، فهي لعمرو بغير خلاف ؛ لإمكان الجمع ، فإن شهدت بينة عمرو بأنها ملكه منذ سنتين فقد تعارض الترجيحان ، وفيه روايتان ، فإن شهدت بينة الداخل أنه ملكها منذ سنة ، وشهدت بينة الخارج أنه ملكها منذ سنتين ، قدمت بينة الخارج ، على المشهور .



                                                                                                                          الخدمات العلمية