الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( 86 ) )

يقول تعالى ذكره : ( حتى إذا بلغ ) ذو القرنين ( مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) ، فاختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة والبصرة ( في عين حمئة ) بمعنى : أنها تغرب في عين ماء ذات حمأة ، وقرأته جماعة من قراء المدينة ، وعامة قراء الكوفة " في عين حامية " يعني أنها [ ص: 96 ] تغرب في عين ماء حارة .

واختلف أهل التأويل في تأويلهم ذلك على نحو اختلاف القراء في قراءته .

ذكر من قال ( تغرب في عين حمئة ) : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا ابن أبى عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( وجدها تغرب في عين حمئة ) قال : ذات حمأة .

حدثنا الحسين بن الجنيد ، قال : ثنا سعيد بن سلمة ، قال : ثنا إسماعيل بن علية ، عن عثمان بن حاضر ، قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : قرأ معاوية هذه الآية ، فقال : "عين حامية " فقال ابن عباس : إنها عين حمئة ، قال : فجعلا كعبا بينهما ، قال : فأرسلا إلى كعب الأحبار ، فسألاه ، فقال كعب : أما الشمس فإنها تغيب في ثأط ، فكانت على ما قال ابن عباس ، والثأط : الطين .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني نافع بن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول : كان ابن عباس يقول ( في عين حمئة ) ثم فسرها . ذات حمأة ، قال نافع : وسئل عنها كعب ، فقال : أنتم أعلم بالقرآن مني ، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وجدها تغرب في عين حمئة ) قال : هي الحمأة .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( في عين حمئة ) قال : ثأط .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قول الله عز ذكره ( تغرب في عين حمئة ) قال : ثأطة .

قال : وأخبرني عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال : قرأت ( في عين حمئة ) وقرأ عمرو بن العاص " في عين حامية " فأرسلنا إلى كعب . فقال : إنها تغرب في حمأة طينة سوداء .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( تغرب في عين حمئة ) والحمئة : الحمأة السوداء . [ ص: 97 ]

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن ورقاء ، قال : سمعت سعيد بن جبير ، قال : كان ابن عباس يقرأ هذا الحرف ( في عين حمئة ) ويقول : حمأة سوداء تغرب فيها الشمس .

وقال آخرون : بل هي تغيب في عين حارة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " وجدها تغرب في عين حامية " يقول : في عين حارة .

حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت الحسن يقول "في عين حامية " قال : حارة .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله "في عين حامية" قال : حارة ، وكذلك قرأها الحسن .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، ولكل واحدة منهما وجه صحيح ومعنى مفهوم ، وكلا وجهيه غير مفسد أحدهما صاحبه ، وذلك أنه جائز أن تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة وطين ، فيكون القارئ في عين حامية بصفتها التي هي لها ، وهي الحرارة ، ويكون القارئ في عين حمئة واصفها بصفتها التي هي بها وهي أنها ذات حمأة وطين . وقد روي بكلا صيغتيها اللتين إنهما من صفتيها أخبار .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا العوام ، قال : ثني مولى لعبد الله بن عمرو ، عن عبد الله ، قال : " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت ، فقال : في نار الله الحامية ، في نار الله الحامية ، لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض " .

حدثني الفضل بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا محمد بن دينار ، عن سعد بن أوس ، عن مصدع ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه : " حمئة

وقوله : ( ووجد عندها قوما ) ذكر أن أولئك القوم يقال لهم : ناسك .

وقوله : ( قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب ) يقول : إما أن تقتلهم إن هم لم يدخلوا [ ص: 98 ] في الإقرار بتوحيد الله ، ويذعنوا لك بما تدعوهم إليه من طاعة ربهم ( وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) يقول : وإما أن تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية