الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وما ينبغي لهم أي: وما يصح وما يستقيم لهم ذلك وما يستطيعون أي: وما يقدرون على ذلك أصلا إنهم أي: الشياطين عن السمع لما يتكلم به الملائكة - عليهم السلام - في السماء لمعزولون أي ممنوعون بالشهب بعد أن كانوا ممكنين كما يدل عليه قوله تعالى: وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا والمراد تعليل ما تقدم على أبلغ وجه؛ لأنهم إذا كانوا ممنوعين عن سماع ما تتكلم به الملائكة في السماء كانوا ممنوعين من أخذ القرآن المجيد من اللوح المحفوظ، أو من بيت العزة، أو من سماعه إذ يظهره الله عز وجل لمن شاء في سمائه - من باب أولى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: إنهم لمعزولون عن السمع لكلام الملائكة - عليهم السلام - لأنه مشروط بالمشاركة في صفات الذات، وقبول فيضان الحق، والانتقاش بالصور الملكوتية، ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك، والقرآن الكريم مشتمل على حقائق ومغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة، عليهم السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب بأنه إن أراد أن السمع لكلام الملائكة - عليهم السلام - مطلقا مشروط بصفات هم متصفون بنقائضها فهو غير مسلم ، كيف وقد ثبت أن الشياطين كانوا يسترقون السمع؟! وظاهر الآيات أنهم إلى اليوم يسترقونه ويخطفون الخطفة فيتبعهم شهاب ثاقب، وأيضا لو كان ما ذكر شرطا للسمع - وهو منتف فيهم - فأي فائدة للحرس ومنعهم عن السمع بالرجوم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأيضا لو صح ما ذكر لم يتأت لهم سماع القرآن العظيم من الملائكة - عليهم السلام - سواء كان مشتملا على الحقائق والمغيبات أم لا، فما فائدة في قوله: والقرآن مشتمل إلخ إلى غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن أراد أن السمع لكلام الملائكة - عليهم السلام - إذا كان وحيا منزلا على الأنبياء - عليهم السلام - مشروط بما ذكر فهو - مع كونه خلاف ظاهر الكلام - غير مسلم أيضا، كيف وقد ثبت أن جبريل - عليه السلام - حين ينزل بالقرآن ينزل معه رصد؛ حفظا للوحي من الشيطان؟! وقد قال عز وجل: فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأيضا ظاهر العزل عن السمع يقتضي أنهم كانوا ممكنين منه قبل ثم منعوا عنه، فيلزم - على ما ذكر - أنهم كانوا يسمعون الوحي من قبل مع أن نفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات [ ص: 134 ] فيبطل كون المشاركة المذكورة شرطا للسمع، فإن ادعي أن الشرط كان موجودا إذ ذاك ثم فقد والتزم القول بجواز تغير ما بالذات فهو مما لم يقم عليه دليل، وقياس جميع الشياطين على إبليس - عليه اللعنة - مما لا يخفى حاله، فتدبر.

                                                                                                                                                                                                                                      وبالجملة الذي أميل إليه في معنى الآية ما ذكرته أولا، وسيأتي قريبا - إن شاء الله تعالى - ما يتعلق بذلك، وجوز كون ضمير (إنهم) للمشركين، والمراد أنهم لا يصغون للحق لعنادهم، وفي الآية شمة من قوله تعالى: والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات وهو بعيد جدا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية