الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ( 98 ) )

يقول عز ذكره : فلما رأى ذو القرنين أن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بنى من الردم ، ولا يقدرون على نقبه ، قال : هذا الذي بنيته وسويته حاجزا بين هذه الأمة ، ومن دون الردم رحمة من ربي رحم بها من دون الردم من الناس ، فأعانني برحمته لهم حتى بنيته وسويته ليكف بذلك غائلة هذه الأمة عنهم .

وقوله ( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ) يقول : فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم . جعله دكاء ، يقول : سواه بالأرض ، فألزقه بها ، من قولهم : ناقة دكاء : مستوية الظهر لا سنام لها . وإنما معنى الكلام : جعله مدكوكا ، فقيل : دكاء . [ ص: 119 ] وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ) قال : لا أدري الجبلين يعني به ، أو ما بينهما .

وذكر أن ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى ابن مريم عليه السلام الدجال .

ذكر الخبر بذلك : حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوام ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقيت ليلة الإسراء إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة ، وردوا الأمر إلى إبراهيم فقال إبراهيم : لا علم لي بها ، فردوا الأمر إلى موسى ، فقال موسى : لا علم لي بها ، فردوا الأمر إلى عيسى ; قال عيسى : أما قيام الساعة لا يعلمه إلا الله ، ولكن ربي قد عهد إلي بما هو كائن دون وقتها ، عهد إلي أن الدجال خارج ، وأنه مهبطي إليه ، فذكر أن معه قصبتين ، فإذا رآني أهلكه الله ، قال : فيذوب كما يذوب الرصاص ، حتى إن الحجر والشجر ليقول : يا مسلم هذا كافر فاقتله ، فيهلكهم الله ، ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ، لا يأتون على شيء إلا أكلوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ، فيرجع الناس إلي ، فيشكونهم ، فأدعو الله عليهم فيميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم ، فينزل المطر ، فيجر أجسادهم ، فيلقيهم في البحر ، ثم ينسف الجبال حتى تكون الأرض كالأديم ، فعهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك ، فإن الساعة منهم كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ، ليلا أو نهارا " .

حدثني عبيد بن إسماعيل ، قال : ثنا المحاربي ، عن أصبع بن زيد ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، ، عن مؤثر بن عفازة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام . فتذاكروا أمر الساعة . فذكر نحو حديث إبراهيم [ ص: 120 ] الدورقي عن هشيم ، وزاد فيه : قال العوام بن حوشب : فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ، قال الله عز وجل ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) وقال ( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا ) يقول : وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دك هذا الردم ، وخروج هؤلاء القوم على الناس ، وعيثهم فيه ، وغير ذلك من وعده حقا ، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن .

التالي السابق


الخدمات العلمية