الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 332 ] وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج استدلال بما خلقه الله تعالى من الأنعام عطف على الاستدلال بخلق الإنسان لأن المخاطبين بالقرآن يومئذ قوام حياتهم بالأنعام ولا تخلو الأمم يومئذ من الحاجة إلى الأنعام ولم تزل الحاجة إلى الأنعام حافة بالبشر في قوام حياتهم .

وهذا اعتراض بين جملة خلقكم من نفس واحدة وبين يخلقكم في بطون أمهاتكم لمناسبة أزواج الأنعام لزوج النفس الواحدة .

وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بما فيها من المنافع للناس لما دل عليه قوله " لكم " لأن في الأنعام مواد عظيمة لبقاء الإنسان وهي التي في قوله تعالى والأنعام خلقها لكم فيها دفء إلى قوله إلا بشق الأنفس وقوله ومن أصوافها وأوبارها إلخ ؛ في سورة النحل .

والإنزال : نقل الجسم من علو إلى سفل ، ويطلق على تذليل الأمر الصعب كما يقال : نزلوا على حكم فلان ، لأن الأمر الصعب يتخيل صعب المنال كالمعتصم بقمم الجبال ، قال خصاب بن المعلى من شعراء الحماسة :


أنزلني الدهر على حكمه من شاهق عال إلى خفض

فإطلاق الإنزال هنا بمعنى التذليل والتمكين على نحو قوله تعالى وأنزلنا الحديد أي سخرناه للناس فألهمناهم إلى معرفة قينه يتخذونه سيوفا ودروعا ورماحا وعتادا مع شدته وصلابته . ويجوز أن يكون إنزال الأنعام إنزالها الحقيقي ، أي : إنزال أصولها من سفينة نوح كقوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم أي : خلقنا أصلكم وهو آدم ، قال تعالى قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين فيكون الإنزال هو الإهباط ؛ قال تعالى قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك فهذان وجهان حسنان لإطلاق الإنزال ، وهما أحسن من تأويل المفسرين إنزال الأنعام بمعنى : الخلق ، أي : لأن خلقها بأمر التكوين ينزل من حضرة القدس إلى الملائكة .

[ ص: 333 ] والأزواج : الأنواع ، كما في قوله تعالى ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين والمراد أنواع الإبل والغنم والبقر والمعز .

وأطلق على النوع اسم الزوج الذي هو المثني لغيره لأن كل نوع يتقوم كيانه من الذكر والأنثى وهما زوجان أو أطلق عليها أزواج لأنه أشار إلى ما أنزل من سفينة نوح منها وهو ذكر وأنثى من كل نوع كما تقدم آنفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية