الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا دفن الميت قبل الصلاة صلي على القبر ، لأن الصلاة تصل إليه في القبر وإن دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة ولا يخش عليه الفساد في نبشه نبش وغسل ووجه إلى القبلة ، لأنه واجب مقدور على فعله فوجب فعله . وإن خشي عليه الفساد لم ينبش ; لأنه تعذر فعله فسقط كما يسقط وضوء الحي واستقبال القبلة في الصلاة إذا تعذر ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : يحرم الدفن قبل الصلاة عليه ، فإن ارتكبوا الحرام ودفنوه ، أو لم يحضره من تلزمه الصلاة ودفن لم يجز نبشه للصلاة ; [ ص: 267 ] بل تجب الصلاة عليه في القبر ، لأن الصلاة على الغائب جائزة ، وعلى القبور ، للأحاديث الصحيحة السابقة في الصلاة على القبر والغائب ، وقد سبقت هذه المسألة في فصل الصلاة على القبر ، هذا إذا دفن وهيل عليه التراب ، فأما إذا أدخل اللحد ولم يهل التراب فيخرج ويصلى عليه ، نقله الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق عن نص الشافعي ، قال : والفرق بين الحالتين من وجهين ( أحدهما ) قلة المشقة وكثرتها ( والثاني ) أن إخراجه بعد إهالة التراب نبش على الحقيقة ، وهو ممنوع وقبل أن يهال ليس بنبش . قال أبو محمد رحمه الله : وقال بعض أصحابنا : إذا أراد الصلاة عليه وهو في اللحد قبل أن يهال التراب رفعت لبنة مما يقابل وجهه لينظر بعضه ، قال أبو محمد : وهذا خلاف نص الشافعي ، والصحيح ما نص عليه ، هذا كلام أبي محمد ( قلت ) : وهذا النص نص عليه في عيون المسائل عن الربيع عن الشافعي رحمه الله .



                                      أما إذا دفن بلا غسل فيأثمون بلا خلاف إن تمكنوا من غسله ، وكان ممن يجب غسله فالصحيح أنه إن تغير وخشي فساده لو نبش لم يجز نبشه لما فيه من إنهاك حرمته ، وإن لم يتغير وجب نبشه وغسله ، ثم الصلاة عليه لأنه واجب مقدور عليه فوجب فعله ، وبهذا التفصيل قطع المصنف وجماهير الأصحاب في الطريقتين . وحكى إمام الحرمين وغيره عن صاحب التقريب أنه حكى قولا للشافعي أنه لا يجب النبش للغسل ، وإن لم يتغير ، بل يكره نبشه ولا يحرم ، وحكى صاحب الحاوي وآخرون وجها أنه يجب نبشه للغسل ، وإن تغير وفسد ، قال الرافعي : ما دام منه جزء من عظم وغيره . واتفق الذين حكوا هذا الوجه على ضعفه وفساده ، أما إذا دفن إلى غير القبلة فقال المصنف وجمهور الأصحاب : الدفن إلى القبلة واجب كما سبق ، قالوا : فيجب نبشه وتوجيهه إلى القبلة إن لم يتغير ، وإن تغير سقط فلا ينبش لما ذكره المصنف ، هذه طريقة الأصحاب من العراقيين والخراسانيين إلا القاضي أبا الطيب فقال في كتابه المجرد : لا يجب التوجيه إلى القبلة ، بل هو سنة ، فإذا ترك استحب نبشه ، ولا يجب . وهذا شاذ ضعيف وسبقت المسألة مبسوطة في هذا الباب .



                                      أما إذا دفن بلا تكفين فوجهان مشهوران ( أحدهما ) ينبش كما ينبش [ ص: 268 ] للغسل ( وأصحهما ) لا ينبش ، وبه قطع المحاملي في المقنع والسرخسي في الأمالي وآخرون لا ينبش لأن المقصود ستره ، وقد حصل ، ولأن في نبشه هتكا لحرمته والله أعلم .



                                      ولو دفن في أرض مغصوبة استحب لصاحبها تركه ، فإن أبى فله إخراجه وإن تغير وتفتت وكان فيه هتك لحرمته ، إذ لا حرمة للغاصب { وليس لعرق ظالم حق } واتفق أصحابنا على هذا .



                                      ولو دفن في ثوب مغصوب أو مسروق فثلاثة أوجه مشهورة حكاها إمام الحرمين وآخرون ( أصحها ) ينبش كما لو دفن في أرض مغصوبة ، وبهذا قطع البغوي وآخرون ، وصححه الغزالي والمتولي والرافعي ونقله السرخسي عن نص الشافعي .

                                      ( والثاني ) لا يجوز نبشه بل يعطى صاحب الثوب قيمته لأن الثوب صار كالهالك بخلاف الأرض ، ولأن خلع الثوب أفحش في هتك حرمته من رد الأرض ، وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ والعبدري ، وهو قول الداركي وأبي حامد ، ونقله الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه عن الأصحاب مطلقا .

                                      ( والثالث ) إن تغير الميت وكان في نبشه هتك لحرمته لم ينبش وإلا نبش ، وصححه صاحب العدة والشيخ نصر المقدسي ، واختاره الشيخ أبو حامد والمحاملي لأنفسهما بعد حكايتهما عن الأصحاب ما قدمته ، واختاره أيضا الدارمي .



                                      ، ولو كفن الرجل في ثوب حرير ، قال الرافعي : في نبشه هذه الأوجه ، ولم أر هذا لغيره ، وفيه نظر ، وينبغي أن يقطع بأنه لا ينبش بخلاف المغصوب ، فإن نبشه لحق مالكه . والله أعلم .



                                      ( فرع ) : ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة يجب نبشه ليغسل ويوجه للقبلة ما لم يتغير ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة لا يجب ذلك بعد إهالة التراب عليه .




                                      الخدمات العلمية