الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ودم السمك ولعاب البغل والحمار وبول انتضح كرءوس الإبر ) أي وعفي دم السمك وما عطف عليه ، أما دم السمك فلأنه ليس بدم على التحقيق ، وإنما هو دم صورة ; لأنه إذا يبس يبيض والدم يسود وأيضا الحرارة خاصية الدم والبرودة خاصية الماء فلو كان للسمك دم لم يدم سكونه في الماء ، أطلقه فشمل السمك الكبير إذا سال منه شيء ، فإن ظاهر الرواية طهارة دم السمك مطلقا وعن أبي يوسف نجاسته مطلقا وأنه مقدر بالكثير الفاحش وعنه نجاسة دم الكبير وما عن أبي يوسف ضعيف ذكره في المبسوط وتقدم الكلام على أنواع الدماء وأحكامها ، وأما لعاب البغل والحمار فقد قدمنا الكلام عليه في الأسآر وفي المجمع ويلحق بالخفيفة لعاب البغل ذو الحمار وطهراه والظاهر من غاية البيان أنه رواية عن أبي يوسف وإن ظاهر الرواية عنه كقولهما

                                                                                        وأما البول المنتضح قدر رءوس الإبر فمعفو عنه للضرورة ، وإن امتلأ الثوب وعن أبي يوسف وجوب غسله أطلقه فشمل ما إذا أصابه ماء فكثر فإنه يجب غسله أيضا وشمل بوله وبول غيره وقيد برءوس الإبر ; لأنه لو كان مثل رءوس المسلة منع وفي الكافي قيل قوله رءوس الإبر يدل على أن الجانب الآخر من الإبر معتبر وليس كذلك بل لا يعتبر الجانبان وبه اندفع ما في التبيين وحكى القول الأول في فتح القدير عن الهندواني قال وغيره من [ ص: 248 ] المشايخ لا يعتبر الجانبان دفعا للحرج وأشار إلى ما قالوا لو ألقى عذرة أو بولا في ماء فانتضح عليه ماء من وقعها لا ينجس ما لم يظهر لون النجاسة أو يعلم أنه البول ، وما ترشش على الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه لعموم البلوى بخلاف الغسلات الثلاث إذا استنقعت في موضع فأصابت شيئا نجسته ، كذا في فتح القدير فالبول في المختصر قيد احترازي ، وقد قدمنا التصحيح في غسالة الميت قريبا ، وقد أطلق المصنف رحمه الله العفو على الكل مع أن هذه الثلاثة طاهرة فتعقبه الشارح الزيلعي ; لأن العفو يقتضي النجاسة ، وقد يجاب بأن هذه ذكرت بطريق الاستطراد والتبعية ولا لبس لتصريحه في الكافي بالطهارة أو ; لأنه لم يقع الاتفاق على طهارتها كما قدمناه واتضح بمعنى ترشش وفي القنية والبول الذي يصيب الثوب مثل رءوس الإبر إذا اتصل وانبسط وزاد على قدر الدرهم ينبغي أن يكون كالدهن النجس إذا انبسط ، أبوال البراغيث لا تمنع جواز الصلاة ، يمشي في السوق فتبتل قدماه بماء رش به السوق فصلى لم يجزه ; لأن النجاسة غالبة في أسواقنا وقيل يجزئه وعن أبي نصر الدبوسي طين الشارع ومواطئ الكلاب فيه طاهر ، وكذا الطين المسرقن وردغة طريق فيه نجاسة طاهرة إلا إذا رأى عين النجاسة قال رحمه الله وهو الصحيح من حيث الرواية وقريب من حيث المنصوص عن أصحابنا ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفي المجمع إلى قوله وطهراه ) أي أبو حنيفة ومحمد رحمهم الله ( قوله : قدر رءوس الإبر ) قيده العلامة الحلبي بما لا يدركه الطرف ، ثم قال والتقييد به ذكره المعلى في النوادر عن أبي يوسف قال إذا انتضح من البول شيء يرى أثره لا بد من غسله وإن لم يغسل حتى صلى وهو بحال لو جمع كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة . ا هـ .

                                                                                        قال وإذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يرد عن غيره منهم تصريح بخلافه يجب أن يعتبر سيما والموضع احتياط ولا حرج في التحرز عن مثله بخلاف ما لا يرى كما في أثر رجل الذباب فإن في التحرز عنه حرجا ظاهرا ، وكذا نقله القهستاني [ ص: 248 ] عن الكرماني لكن قال بعده وفي التمرتاشي إن استبان أثره على الثوب بأن تدركه العين أو على الماء بأن ينفرج أو يتحرك فلا عبرة به وعن الشيخين أنه معتبر . ( قوله : لا يعتبر الجانبان ) كذا في النسخ بالألف والصواب الجانبين بالياء كما هو في فتح القدير . ( قوله : ما لم يظهر لون النجاسة أو يعلم أنه البول ) قال في مختارات النوازل وإن كان الماء راكدا يفسده . ا هـ .

                                                                                        فما ذكره هنا مقيد بالجاري لكن ذكر في المنية اختلافا في هذه المسألة ونقل التفصيل عن الخانية والتجنيس مطلقا عن أبي بكر بن الفضل وعكسه عن أبي الليث واختاره شارحها وعلله بأن الرشاش المتصاعد من صدم شيء للماء إنما هو أجزاء الماء لا من أجزاء الشيء الصادم فيحكم بالغالب ما لم يظهر خلافه وللقاعدة المطردة أن اليقين لا يزول بالشك . ( قوله : وما ترشش إلى قوله نجسة ) مبني على ما أطلقه محمد في الأصل من أن غسالة الميت نجسة قال في السراج والأصح أنه إذا لم يكن على بدنه نجاسة يصير الماء مستعملا ، ولا يكون نجسا إلا أن محمدا إنما أطلق ذلك ; لأن بدن الميت لا يخلو عن نجاسة غالبا ، كذا في الفتاوى . ا هـ . ( قوله وردغة ) قال في القاموس محركة وتسكن الماء والطين والوحل الشديد .




                                                                                        الخدمات العلمية