الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها ، وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات ، وأنه شرب من ثديها ، أو من لبن حلب منه ، وإن شهد بالقتل ، احتاج أن يقول : ضربه بالسيف ، أو جرحه فمات ، لم يحكم به ، وإن شهد بالزنى فلا بد أن يذكر بمن زنى بها ، وأين زنى ؛ وكيف زنى ؛ وأنه رأى ذكره في فرجها ، ومن أصحابنا من قال : لا يحتاج إلى ذكر المزنى بها ولا ذكر المكان ، ومن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه ، والنصاب والحرز ، وصفة السرقة ، وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف ، وإن شهد أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا : ولدته في ملكه ، وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه ، أو أعتقها ، لم يحكم له بها حتى يقولا : وهي في ملكه ، وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه ، أو الطير من بيضته ، والدقيق من حنطته ، حكم له بها ، وإذا مات رجل وادعى آخر أنه وارثه ، فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه ، سلم المال إليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة ، أو لم يكونا ، وإن قالا : لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد ، احتمل أن يسلم المال إليه ، واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها .

                                                                                                                          وتجوز شهادة المستخفي ، ومن سمع رجلا يقر بحق ، أو يشهد شاهدا بحق ، أو يسمع الحاكم يحكم ، أو يشهد على حكمه ، أو إنفاذه في إحدى الروايتين ، ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه ) كذا ذكره في " المحرر " و " الوجيز " و " الفروع " ؛ لأن الناس يختلفون في شروطه ، فيجب ذكرها لئلا يعتقد الشاهد صحته وهو فاسد ، ولعل ظاهره إذا اتحد مذهب الشاهد والحاكم لا يجب التبيين .

                                                                                                                          ونقل عبد الله فيمن ادعى أن هذه الميتة امرأته وهذا ابنه منها ، فإن أقامها بأصل النكاح ويصلح ابنه ، فهو على أصل النكاح ، والفراش ثابت يلحقه .

                                                                                                                          وإن ادعت أن هذا الميت زوجها ، لم يقبل إلا ببينة تشهد بأصل النكاح ، وتعطى الميراث ( وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها ) إن لم تكن مجبرة ، هذا من جملة الشروط ، ولعله إنما ذكر ذلك للخلاف في بعضها .

                                                                                                                          وحاصله : أن البينة تشهد بذلك ، وأنه تزوجها في صحة بدنه وجواز أمره ، لكن لا يعتبر : في صحته وجواز أمره ، [ ص: 200 ] تنبيه : إذا شهد باستباحة الزوجية جاز ، وإن ذكر سببها لم تكن شهادة ، وقيل : لا يشهد فيها باستفاضة ، وهو بعيد ، وإن عقد بلفظ لا خلاف فيه شهد بالعقد والزوجية ، تقول : حضرت العقد الجاري بينهما وأشهد به ، وإن قال : حضرت وشهدت به ، فقال ابن حمدان : يحتمل وجهين ، والصحة أظهر .

                                                                                                                          فرع : مقتضى ما ذكره المؤلف : أنه لا يشترط في البيع ونحوه ذكر شروطه وهو وجه ، والأشهر أنه يشترط في سائر العقود ( وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات ، وأنه شرب من ثديها ، أو من لبن حلب منه ) لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها ، ولا بد أن يكون ذلك في الحولين ، وقيل : ودخول اللبن إلى جوفه .

                                                                                                                          قال في " الكافي " : وإن رأى امرأة اتخذت صبيا تحت ثيابها فأرضعته ، لم يجز أن يشهد بإرضاعه ؛ لأنه يجوز أن تتخذ شيئا على هيئة الثدي تمصه له ( وإن شهد بالقتل ، احتاج أن يقول : ضربه بالسيف ، أو جرحه ) فقتله أو مات من ذلك ؛ لأن ما ذكر شرط في إيجاب القتل ، فاحتيج إلى قوله في الشهادة به ، ويعتبر ذكر الآلة ، ووصف الجناية بعمد أو غيره ، والانفراد به أو شارك غيره ، فإن قال : ( جرحه فمات ، لم يحكم به ) لجواز أن يكون مات بغير هذا ، ولأنه لم يستند الموت إلى الجرح ، فلم يثبت كون الموت بسبب جرحه ، فإن قال : ضربه فوجده موضحا ، أو فسال دمه ، لم يصح ، وإن قال : ضربه فأوضحه ، فوجد في رأسه موضحتين وجب دية موضحة ؛ [ ص: 201 ] لأنه قد أثبتها ، ولم يجب قصاص ؛ لأنا لا ندري أيتهما التي شهد بها ( وإن شهد بالزنى فلا بد من ذكر من زنى بها ، وأين زنى ؛ وكيف زنى ؛ وأنه رأى ذكره في فرجها ) لأن اسم الزنى يطلق على ما لا يوجب الحد ، وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنى زنى ، فاعتبر ذكر صفته ؛ ليزول الاحتمال ، ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى ، وقد تكون المرأة ممن يحل له وطؤها ، أو له فيه شبهة ، وقد تكون الشهادة على فعلين ، فاعتبر المكان ، وإن لم يذكر الشهود ذلك سألهم الحاكم عنه ( ومن أصحابنا ) وهو ابن حامد ( من قال : لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ، ولا ذكر المكان ) لأنه لم يأت ذكرهما في الحديث الصحيح ، وليس في حديث الشهادة في رجم اليهوديين ذكر المكان ، وكذا لا يشترط أيضا ذكر الزمان ؛ لأن الأزمنة في الزنى واحدة لا تختلف ، وفيه وجه : بلى ، لتكون شهادتهم على فعل واحد ، وتقبل بحد قديم كالقصاص ، وقال ابن أبي موسى : لا تقبل لقول عمر ( وإن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه ، والنصاب والحرز ، وصفة السرقة ) لأن الحكم يختلف باختلافها ، ولتتميز السرقة الموجبة للقطع من غيرها ( وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف ) ويذكر القاذف ، وقيل : وأين ؛ ومتى ؛ ( وإن شهد أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا : ولدته في ملكه ) جزم به في " الوجيز " و " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " ، لجواز أن تكون ولدته قبل تملكها . وقيل : لا يشترط قولهما : ولدته في ملكه . فإن قالا : في ملكه . صح ؛ لأنها شهدت أنه نماء ملكه ، ونماء ملكه له ما لم يرد نقله عنه . فإن قيل : قد قلتم : لا [ ص: 202 ] تقبل شهادته بالملك السابق على الصحيح ، وهذه شهادة بملك سابق ، قلنا : الفرق ـ على تقدير التسليم ـ أن النماء تابع للملك في الأصل ، فإثبات ملكه في الزمن الماضي على وجه التبع ، وجرى مجرى ما لو قال : ملكه منذ سنة ، وأقام البينة به ، فإن ملكه ثبت في الزمن الماضي تبعا للحال ، فيكون له النماء فيما مضى ؛ لأن البينة هنا شهدت بسبب الملك فقويت بذلك .

                                                                                                                          ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي ، فقال : أقرضته ألفا ، ثبت الملك وإن لم يذكره فمع ذكره أولى .

                                                                                                                          فرع : إذا شهد على إقرار غيره بحق ، فقيل : يعتبر ذكر سببه . والأصح : لا ، كاستحقاق مال ، وإن شهد بسبب يوجبه ، واستحقاق غيره ذكره .

                                                                                                                          وفي " الرعاية " : من شهد لزيد على عمرو بشيء ، سأله عن سببه ، انتهى .

                                                                                                                          ولا تعتبر إشارته إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه ووصفه ، ولا قوله طوعا في صحته مكلفا ، عملا بالظاهر ، وما صحت الشهادة به صحت الدعوى ، وبالعكس .

                                                                                                                          وعلى اختيار المؤلف : لا يشترط ذلك فيما إذا كانت في يد المتعاقدين ، أما إذا كانت في يد غيرهما ، فلا بد من ذكر الملك والتسليم ، وتشهد البينة به ( وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها ، لم يحكم له بها حتى يقولا : وهي [ ص: 203 ] في ملكه ) لأنه قد يبيع ويقف ويعتق ما لا يملكه ، ولأنه لو لم يشترط قول الشاهدين وهي في ملكه ، لتمكن كل من أراد أن ينتزع شيئا من يد غيره أن يتفق هو وشخص ، ويبيعه إياه بحضرة شاهدين ، ثم ينتزعه المشتري من يد صاحبه ، ثم يقتسمانه ، وفي ذلك ضرر عظيم لا يرد الشرع بمثله ( وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه ، أو الطير من بيضته ، أو الدقيق من حنطته ، حكم له بها ) ذكره الأصحاب ؛ لأن الغزل عين القطن ، وإنما تغيرت صفته ، والطير هو البيضة استحالت ، والدقيق عين الحنطة ، وإنما تفرقت أجزاؤها ، وقيل : أو البيضة من طيره فكذلك ، والأصح : لا ، حتى يقولا : باضتها في ملكه ؛ لأن البيضة غير الطير ، وإنما هي من نمائه كالولد ( وإذا مات رجل ، وادعى آخر أنه وارثه ، فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره ، سلم المال إليه ) في قول أكثر العلماء ؛ لأن هذا مما لا يمكن علمه ، فكفى فيه الظاهر مع شهادة الأصل بعدم وارث آخر ( سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة ، أو لم يكونا ) وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن قول البينة يعضده الأصل ، وفيه وجه : أنه لا يقبل من غير أهل الخبرة الباطنة فيجب الكشف عن حاله ؛ لأن عدم علمهم بوارث ليس بدليل على عدمه ، بخلاف أهل الخبرة الباطنة ، فيأمر من ينادي بموته وليحضر وارثه ، فإذا غلب على ظنه أنه لا وارث له سلمه ، وقيل : بكفيل .

                                                                                                                          فعلى الأول : يكمل لذي الفرض فرضه .

                                                                                                                          وعلى الثاني : ـ وجزم به في " الترغيب " ـ يأخذ اليقين ، وهو ربع ثمن للزوجة [ ص: 204 ] عائلا ، وسدس للأم عائلا ، من كل ذي فرض لا حجب فيه ، ولا يقين في غيره .

                                                                                                                          ومقتضاه : أنه إذا شهد له بالإرث كفى ، نقل الأزجي فيمن ادعى إرثا ، لا يخرج في دعواه إلى إثبات السبب الذي يرث به ، وإنما يدعي الإرث مطلقا ؛ لأن أدنى حالاته أنه يرث بالرحم ، وهو صحيح على أصلنا ، والمعروف خلافه ( وإن قالا : لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد ) أو بأرض كذا ( احتمل أن يسلم إليه المال ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " وجزم به في " الوجيز " ؛ لما تقدم ( واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها ) وقاله أكثر أهل العلم ، قال في " الشرح " : وهو أولى ؛ لأنهما قد يعلمان أنه لا وارث له في تلك الأرض ، ويعلمان له وارثا في غيرها فلم يقبل ، كما لو قالا : لا نعلم له وارثا في هذا البيت ، وإن شهدا بأنه ابنه لا وارث له غيره ، وبينة كذلك ثبت نسبه منهما وقسم المال بينهما ، لأنه لا ينافي .

                                                                                                                          قال المؤلف في فتاويه : إنما احتاج إلى إثبات لا وارث له سواه ؛ لأنه يعلم ظاهرا ، فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ، ومن يعرف باطن أمره ، بخلاف دينه على الميت ، لا يحتاج إلى إثبات لا دين عليه سواه لخفاء الدين .

                                                                                                                          فرع : لا ترد الشهادة على النفي مطلقا ، بدليل هذه المسألة والإعسار ، بل يقبل إذا كان النفي محصورا ، كقول الصحابي ، دعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ كالإثبات ، وهل يشهد عقدا فاسدا مختلفا فيه ؛ ويشهد [ ص: 205 ] به ؛ يتوجه دخولها فيمن أتى فرعا مختلفا فيه .

                                                                                                                          قال في " التعليق " : يشهد . وفي " الفتاوى المصرية " : يجوز للكاتب والشاهد أن يكتب ويشهد به ، ولو لم ير جوازه ؛ لأنه من المسائل الاجتهادية ، والفقيه يحكم بما يراه من الخلاف .

                                                                                                                          فرع : إذا شهد أنه طلق أو أعتق أو أبطل من وصاياه واحدة ، ونسيا عينها ، لم تقبل هذه الشهادة ، ذكره في " المحرر " و " الرعاية " ، وقيل : بلى ، جزم به في " المبهج " في الوصية .

                                                                                                                          وفيها في " الترغيب " : قال أصحابنا : يقرع بين الوصيتين ، فمن خرجت قرعتها فهي الصحيحة ( وتجوز شهادة المستخفي ) وهو المتواري عن المشهود عليه ، وهي مقبولة ، قال في " الشرح " : على الرواية الصحيحة ، رواه سعيد بإسناد رجاله ثقات ، عن عمرو بن حريب ، ولأنه قد تدعو الحاجة إلى ذلك مثل أن يكون خصمه يقر سرا ويجحد جهرا ، فلو لم تجز شهادته لأدى إلى بطلان الحق .

                                                                                                                          والثانية : لا تسمع شهادته ، اختارها أبو بكر وابن أبي موسى ؛ لقوله تعالى ولا تجسسوا [ الحجرات : 12 ] ، ولقوله عليه السلام : من حدث بحديث ثم التفت فهو أمانة .

                                                                                                                          وفي ثالثة : إن أقر بحق في الحال شهد به ، كقوله : علي كذا . وإن أقر بسابقته [ ص: 206 ] كأقرضني ، وكان علي وقضيته إذا جعلناه إقرارا لم يشهد به حتى يشهده به .

                                                                                                                          قال في " المحرر " : وهي الأصح .

                                                                                                                          وعنه : يشهد بما سمعه ، ولا يؤدي حتى يقول : اشهد علي ، فإذا قاله وجب الأداء ( ومن سمع رجلا ) مكلفا ( يقر بحق ) أو عقد أو عتق أو طلاق ( أو يشهد شاهدا بحق ) فعلى الخلاف ، والمذهب : أنه يشهد عليه ، وإن لم يقل له : اشهد .

                                                                                                                          وعنه : لا ، كالشهادة .

                                                                                                                          وفرق المؤلف بينهما بأن الشهادة على الشهادة ضعيفة فاعتبر تقويتها بالاستدعاء ( أو يسمع الحاكم يحكم ، أو يشهد على حكمه ، أو إنفاذه في إحدى الروايتين ) وهي ظاهر المذهب ؛ لأن المعتمد عليه السماع وهو موجود ، ولأن أبا بكرة وأصحابه شهدوا على المغيرة ولم يقل عمر هل أشهدكم أو لا ؛ وكذلك عثمان لم يسأل الذين شهدوا على الوليد بن عقبة بذلك ، ولم يقل هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم ( ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك ) كالشهادة على الشهادة ، وقدم في " المحرر " و " الرعاية " تلزم الشهادة ، وعنه : يخير في ذلك ، وذكر القاضي رواية في الأفعال : لا يشهد ، حتى يقول له المشهود عليه : اشهد ، وهذا إن أراد به العموم في جميع الأفعال لم يصح ؛ لأن الغاصب لا يقول لأحد : اشهد علي أني غصبت ، وإن أراد به الأفعال التي تكون بالتراضي كقرض وبيع جاز .



                                                                                                                          الخدمات العلمية