الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 207 ] فصل .

                                                                                                                          وإن شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر ، وشهد آخر أنه غصبه ثوبا أبيض ، أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم ، وشهد الآخر أنه غصبه أمس ، لم تكمل البينة ، وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة .

                                                                                                                          وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس ، وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم ، أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس ، وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم ، كملت البينة وثبت البيع والإقرار وكذلك كل شهادة على القول إلا النكاح ، إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس ، وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم ، لم تكمل البينة ، وكذلك القذف ، وقال أبو بكر : يثبت القذف .

                                                                                                                          وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف ، وشهد آخر أنه أقر له بألفين ، ثبت ألف ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب ، وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا ، وشهد آخر أن له عليه ألفين ، فهل تكمل البينة على ألف ؛ على وجهين ، وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا من قرض ، وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع ، لم تكمل البينة وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفا ، وقال أحدهما : قضاه بعضه ، بطلت شهادتهما ، نص عليه وإن شهدا أنه أقرضه ألفا ، ثم قال أحدهما : قضاه نصفه ، صحت شهادتهما ، وإذا كانت له بينة بألف ، فقال : أريد أن تشهدا لي بخمسمائة ، لم يجز ، وعند أبي الخطاب : يجوز .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( إذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر ، وشهد آخر أنه غصبه ثوبا أبيض ) لأنه إذا اختلف الشاهدان في صفة المشهود به لم تكمل البينة على واحد منهما ( أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم ، وشهد الآخر أنه غصبه أمس ، لم تكمل البينة ) لاختلافهما في الوقت ( وكذلك كل شهادة على الفعل ، إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة ) لأن أحد الفعلين غير الآخر ، لأن الفعل الواقع في يوم غير الفعل الواقع في يوم آخر ، فلو شهدا بفعل متحد في نفسه كإتلاف ثوب وقتل زيد ، أو باتفاقهما كغصب وسرقة ، واختلفا في وقته أو مكانه أو صفة تتعلق به ، كلوث وآلة قتل مما يدل على تغاير الفعلين ، لم تكمل البينة على المذهب .

                                                                                                                          وفي " المحرر " : هو قول أصحابنا للتنافي .

                                                                                                                          وقال أبو بكر : يجمع بينهما حتى يوجب القطع والقود ، وقيل : بل يحلف مع كل شاهد ، ويأخذ ما شهد به من مال ، وقيل : لا حد بحال ، وإن أمكن تعدده ولم يشهد بأنه متحد ، فبكل شيء شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ، ولا تنافي بينهما ، ولو كان بدل شاهد بينة ثبتا هنا إن ادعاهما ، وإلا ما ادعاه وتعارضتا في الأولى .

                                                                                                                          قال المؤلف : والصحيح أنه لا تعارض فيه ؛ لإمكان الجمع . [ ص: 208 ] فرع : إذا شهد واحد بالفعل ، وآخر على الإقرار به ، جمعت شهادتهما ، نص عليه ، واختاره أكثر الأصحاب ؛ لقصة الوليد في شرب الخمر ، ولو شهدا في وقتين على إقراره بالغصب ، أو شهد اثنان على الفعل وآخران على الإقرار به ، لم يجمع بينهما في الأشهر ؛ لأنه يجوز أن يكون ما أقر به غير ما شهد به الشاهدان ، وهذا يبطل بالشهادة على إقرارين ، مسألة : إذا شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا أو قتله عمدا ، وآخر أنه أقر بقتله أو قتله وسكت ، ثبت القتل وصدق المدعى عليه في صفته ( وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس ، وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم ) لأنهما ـ وإن كانا إقرارين ـ فهما إقرار بشيء واحد ، وكذا في " الرعاية " مع أنه أطلق الخلاف في كل شهادة على القول ( أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس ، وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم ، كملت البينة وثبت البيع ) لأن المشهود به شيء واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى ، فلم يؤثر ، كما لو شهد أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية ( والإقرار ) في الصورة الأولى ( وكذلك كل شهادة على القول ) .

                                                                                                                          وكذا في " المحرر " و " المستوعب " و " الشرح " ، وسواء اختلفا وقتا أو مكانا ؛ لأن المشهود به واحد ، كما لو شهدا على الإقرار بشيء واختلفا في وقته أو موضعه أو اللغة المقر بها .

                                                                                                                          وفي " الرعاية " قول : أنهما إذا اختلفا وقتا أو مكانا لم تكمل البينة ، ولم [ ص: 209 ] يذكر في " الكافي " في الإقرار خلافا أن الشهادة تكمل فيه ، وذكر في غيره احتمالين ( إلا النكاح إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس ، وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم ، لم تكمل البينة ) لأن اختلاف الشهود في الوقت يمنع من كمال البينة ومن ثبوته ، أما أولا : فلأن البينة الكاملة يثبت موجبها ـ كما تقدم ـ والبينة المذكورة لا يثبت موجبها .

                                                                                                                          وأما ثانيا : لأن من شرط صحته حصول الشاهدين له ، فإذا اختلفا في الوقت لم يتحقق حصول الشرط ، فلم يثبت المشروط مع عدم تحقق شرطه ، قاله ابن المنجا .

                                                                                                                          وفي " الشرح " : لم تكمل البينة في قولهم جميعا ؛ لأنه لم يشهد بكل عقد إلا شاهد واحد فلم يثبت ( وكذلك القذف ) ألحق أكثر أصحابنا القذف بالأفعال ، وهو المذهب ؛ لأن البينة لم تكمل على قذفه ، ولأن اختلاف الشهود شبهة والحد يدرأ بها ( وقال أبو بكر : يثبت القذف ) لأن المشهود به واحد ، أشبه البيع وسائر الأموال .

                                                                                                                          تنبيه : ذكر في " الشرح " : أنه إذا شهد أحدهما أنه أقر عندي يوم الخميس بدمشق أنه قتله أو قذفه أو غصبه ، وشهد الآخر أنه أقر عندي بهذا يوم السبت ، كملت البينة وهو قول أكثرهم .

                                                                                                                          وقال زفر : لا تكمل ؛ لأن كل إقرار لم يشهد به إلا واحد كالشهادة على الفعل .

                                                                                                                          [ ص: 210 ] وجوابه : أن المقر به واحد ، وقد شهد اثنان على الإقرار به فكملت ، كما لو كان الإقرار به واحدا ، وفارق الشهادة على الفعل ، فإن الشهادة على فعلين مختلفين ، فنظيره في الإقرار أن يشهد أحدهما : أنه أقر عندي قتله يوم الخميس ، والآخر : أنه قتله يوم الجمعة ، لم تكمل البينة ؛ لأن الذي شهد به أحدهما غير الذي شهد به الآخر ، كما لو شهد أحدهما أنه غصبه دنانير ، والآخر دراهم ، ثم ذكر قول أبي بكر : أنها تكمل ؛ لأن ذلك ليس من المقتضى ، فلا يعتبر في الشهادة ، والأول أصح .

                                                                                                                          قلت : وعلى عدم الجمع ، لمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الدية .

                                                                                                                          ومتى جمعنا مع اختلاف الوقت في قتل أو طلاق فالعدة والإرث يلي آخر المدتين ( وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف ، وشهد آخر أنه أقر له بألفين ، ثبت ألف ) على المذهب ؛ لأن الشهادة فيها كملت ، وكما لو لم يزد أحدهما على صاحبه ، وسواء عزوا ـ أو أحدهما ـ الشهادة إلى الإقرار ، أو جهة واحد غيره ، أو لم يعرفا ، وقيل : لا ؛ لأنه لم يشهد بكل إقرار إلا واحد .

                                                                                                                          قال في " الشرح " : ويبطل إذا شهد أحدهما أنه أقر له بألف غدوة ، وآخر أنه أقر بها عشية ، مع أن كل إقرار إنما شهد به واحد ، وكذا إذا شهد واحد بألف وآخر بخمسمائة ، أو شاهد بثلاثين وآخر بعشرين ، وقيل : بل يحلف مع كل شاهد ، ويأخذ ما شهدا به ، ذكره السامري وابن حمدان ( ويحلف على الآخر مع شاهده [ ص: 211 ] إن أحب ) نص عليه ؛ لأن المال يثبت بشاهد ويمين .

                                                                                                                          قال في " الشرح " : وهذا إذا أطلقنا الشهادة ، أو لم تختلف الأسباب والصفات ، فإن شهد له شاهدان بألف وآخران بخمسمائة ، ولم تختلف الأسماء والصفات دخلت الخمسمائة في الألف ، ووجب له ألف بالشهادتين .

                                                                                                                          وإن اختلف الأسباب والصفات وجبا ؛ لأنهما مختلفان ( وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا ، وشهد آخر أن له عليه ألفين ، فهل تكمل البينة على ألف ؛ على وجهين ) أحدهما : تكمل كالتي قبلها ، جزم بها في " المستوعب " و " الوجيز " ، وصححه في " الرعاية " ؛ لأن الشهادة كانت مطابقة غير مسندة للمشهود به على سبب ، فبالقياس على ما إذا كانت البينة على الإقرار ، وسواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى إقرار أو جهة غيره أو لم يعزوا ، فعلى هذا : يحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع شاهده ويأخذ ذلك .

                                                                                                                          والثاني : لا تكمل ؛ لأنه يحتمل أن تكون الألف من غير الألفين ، فعليه لا يثبت شيء من ذلك ، قاله ابن المنجا وغيره ( وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا من قرض ، وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع ، لم تكمل البينة ) جزم به أكثر الأصحاب ؛ لأن أحد الألفين لا يمكن أن يكون الآخر ، فعلى هذا : يحلف مع كل شاهد ، ويأخذ ما شهد به ، وقيل : إن شهدا على الإقرار كملت ، وعلى الأول لو شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض كملت البينة ( وإن شهد شاهدان أن [ ص: 212 ] له عليه ألفا ، وقال أحدهما : قضاه بعضه ، بطلت شهادتهما ، نص عليه ) وهو المذهب ؛ لأن ما قضاه لم يبق عليه ، فيكون كلامه متناقضا فتفسد شهادته ، وفارق هذا ما لو شهد بألف ، ثم قال : بل بخمسمائة ؛ لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه ( وإن شهدا أنه قرضه ألفا ، ثم قال أحدهما قضاه نصفه ، صحت شهادتهما ) جزم به في " المستوعب " و " الوجيز " ؛ لأن الوفاء لا ينافي القرض ، ويتخرج فيه كالتي قبلها ، ويتخرج فيهما أن لا يثبت بشهادتهما سوى الخمسمائة ، وعلى الأول يحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهد ويمين ( وإن كانت له بينة بألف ، فقال : أريد أن تشهدا لي بخمسمائة ، لم يجز ) إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها ، نص عليه ، قدمه أئمة المذهب ، وصححه المؤلف ، وجزم به في " الوجيز " .

                                                                                                                          لقوله تعالى : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها [ المائدة : 108 ] ولأنه لو ساغ له ذلك ، لساغ للقاضي أن يقضي ببعض ما شهد به الشاهد .

                                                                                                                          وقال القاضي : في " الأحكام السلطانية " : للشاهد أن يشهد بالألف ، والقاضي يحكم بالقدر الذي جعل له الحكم فيه ، وذكره نصا ( وعند أبي الخطاب : يجوز ) لأن مالك الشي مالك لبعضه ، فمن شهد بألف فقد شهد بخمسمائة .

                                                                                                                          فائدة : إذا شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق ، قبل ، وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما ، مع المشاركة في سمع وبصر ، ذكره في " المغني " وغيره ، ولا يعارضه قولهم : إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله مع مشاركة خلق كثير ، رد .



                                                                                                                          الخدمات العلمية