الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3785 ) مسألة ; قال : ( ومن وكل في شراء شيء فاشترى غيره ، كان الآمر مخيرا في قبول الشراء ، فإن لم يقبل ، لزم الوكيل ، إلا أن يكون اشتراه بعين المال ، فيبطل الشراء ) وجملته أن الوكيل في الشراء إذا خالف موكله ، فاشترى غير ما وكل في شرائه ، مثل أن يوكله في شراء عبد فيشتري جارية ، لم يخل من أن يكون اشتراه في ذمته أو بعين المال ، فإن كان اشتراه في ذمته ، ثم نقد ثمنه ، [ ص: 75 ] فالشراء صحيح ; لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته ، وليس ذلك ملكا لغيره .

                                                                                                                                            وقال أصحاب الشافعي : لا يصح ، في أحد الوجهين ; لأنه عقده على أنه للموكل ، ولم يأذن فيه ، فلم يصح ، كما لو اشترى بعين ماله . ولنا ، أنه لم يتصرف في ملك غيره ، فصح كما لو لم ينوه لغيره . إذا ثبت هذا ، فعن أحمد روايتان ; إحداهما ، الشراء لازم للمشتري . وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ; لأنه اشترى في ذمته بغير إذن غيره ، فكان الشراء له ، كما لو لم ينو غيره .

                                                                                                                                            والرواية الثانية ، يقف على إجازة الموكل ، فإن أجازه لزمه ; لأنه اشترى له وقد أجازه ، فلزمه ، كما لو اشترى بإذنه ، وإن لم يجزه لزم الوكيل ; لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل ، لأنه لم يأذن في شرائه ، ولزم الوكيل ; لأن الشراء صدر منه ، ولم يثبت لغيره ، فيثبت في حقه ، كما لو اشتراه لنفسه وهكذا الحكم في كل من اشترى شيئا في ذمته لغيره بغير إذنه ، سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له ، أو لم يكن وكيلا له .

                                                                                                                                            فأما إن اشترى بعين المال ، مثل أن يقول : بعني الجارية بهذه الدنانير . أو باع مال غيره بغير إذنه ، فالصحيح في المذهب أن البيع باطل . وهو مذهب الشافعي . وفيه رواية أخرى أنه صحيح ، ويقف على إجازة المالك ، فإن لم يجزه بطل ، وإن أجازه صح ; لحديث عروة بن الجعد ، { أنه باع ما لم يؤذن له في بيعه ، فأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له ، } ولأنه تصرف له بخير ، فصح ، ووقف على الإجازة ، كالوصية بالزائد على الثلث .

                                                                                                                                            ووجه الرواية الأولى ، أنه عقد على مال من لم يأذن له في العقد ، فلم يصح ، كما لو باع مال الصبي المراهق ، ثم بلغ ، فأجازه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام : { لا تبع ما ليس عندك } . يعني ما لم تملك . وأما حديث عروة فإنه يحتمل أنه كان وكيلا مطلقا ، بدليل أنه باع وسلم المبيع وأخذ ثمنه ، وليس ذلك جائزا لمن لم يؤذن له فيه اتفاقا . ومتى حكمنا ببطلان البيع ، فاعترف له العاقد معه ببطلان البيع ، أو ثبت ذلك ببينة ، فعليه رد ما أخذه ، وإن لم يعترف بذلك ، ولا قامت به بينة ، حلف العاقد ، ولم يلزمه رد شيء ; لأن الأصل أن تصرف الإنسان لنفسه ، فلا يصدق على غيره فيما يبطل عقده .

                                                                                                                                            وإن ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه ، فالقول قول المشتري ; لما ذكرناه . ولو قال المشتري : إنك بعت مال غيرك بغير إذنه ، فأنكر البائع ذلك . وقال : بل بعت ملكي . أو قال : بعت مال موكلي بإذنه . فالقول قوله أيضا . وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع ، وقال الموكل : بل البيع صحيح فالقول قوله مع يمينه ، ولا يلزمه رد ما أخذه من العوض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية