الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فالخوارق النافعة تابعة للدين ، خادمة له ، كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين ، وكذلك المال النافع ، كما كان السلطان والمال النافع بيد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر . فمن جعلها هي المقصودة ، وجعل الدين تابعا لها ، ووسيلة إليها ، لا لأجل الدين في الأصل - : فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين ، وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب ، أو رجاء الجنة ، فإن ذلك ما هو مأمور به ، وهو على سبيل نجاة ، وشريعة صحيحة .

والعجب أن كثيرا ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة - يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا ! ! ثم إن الدين إذا صح علما وعملا فلابد أن يوجب خرق العادة ، إذا احتاج إلى ذلك صاحبه . قال تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب [ الطلاق : 2 - 3 ] . وقال تعالى : إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا [ الأنفال : 29 ] . وقال تعالى : ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما [ النساء : 66 - 68 ] . وقال تعالى : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ يونس : 62 - 64 ] .

[ ص: 752 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ قوله إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ الحجر : 75 ] . رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري .

وقال تعالى ، فيما يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ، حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولابد له منه .

فظهر أن الاستقامة حظ الرب ، وطلب الكرامة حظ النفس . وبالله التوفيق .

وقول المعتزلة في إنكار الكرامة : ظاهر البطلان ، فإنه بمنزلة إنكار [ ص: 753 ] المحسوسات . وقولهم : لو صحت لاشتبهت بالمعجزة ، فيؤدي إلى التباس النبي بالولي ، وذلك لا يجوز ! وهذه الدعوى إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق ويدعي النبوة ، وهذا لا يقع ، ولو ادعى النبوة لم يكن وليا ، بل كان متنبئا كذابا ، وقد تقدم الكلام في الفرق بين النبي والمتنبئ ، عند قول الشيخ : وأن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية