الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب: ذكر أمارات النبوة

قال مؤلف الكتاب: ما زالت الأنبياء قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وعلماء الكتب تعد به ، حتى كانوا يقولون: قد قرب زمانه ، وفي هذا الزمان يظهر . [ ص: 337 ]

أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك قال:

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثني يعقوب قال: أخبرنا أبي ، عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمود بن لبيد ، عن سلمة بن سلامة بن وقش قال:

كان لنا جار من اليهود في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم [بيسير] حتى وقف على [مجلس] بني عبد الأشهل - قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة مضطجع فيها بفناء أهلي - فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار .

فقال: ذلك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون أن البعث [كائنا] بعد الموت .

فقالوا له: ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا بأن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون [فيها] بأعمالهم؟ قال: نعم ، والذي نحلف به لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا تحمونه ثم تدخلونه إياه ، فتطبقونه عليه ، وأن تنجوا من بين [تلك] النار غدا . قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد .

وأشار بيده نحو مكة واليمن .
قالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إلي وأنا أحدثهم سنا فقال:

إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا . فقلنا:

ويلك يا فلان ، ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به .

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسين قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أخبرنا أبو الحسن بن البراء [ ص: 338 ] قال ، أخبرنا الفضل بن غانم قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجل من قومه قال:

إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله إيانا وهداه لما كنا نسمع من يهود ، كنا أهل شرك أصحاب أوثان ، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا ، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نتبعه ، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، وكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله عز وجل رسوله أجبناه حين دعانا إلى الله ، وعرفنا ما كانوا يتواعدونا ، فبادرناهم إليه ، وآمنا به ، وكفروا ، ففينا وفيهم نزلت هذه الآيات ، ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم إلى قوله ، فلعنة الله على الكافرين .

وعن عاصم عن شيخ من بني قريظة قال: قال لي: هل تدرون عما كان إسلام ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد ، وأسد بن عبيد ، نفر من بني ذهل أخوة بني قريظة ، كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الإسلام . قال ، قلت: لا أدري . قال:

فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له: ابن الهيبان ، قدم علينا قبل الإسلام بسنين ، فحل بين أظهرنا ، لا والله ما رأينا رجلا قط كان يصلي الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا ، فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له: اخرج يا بن الهيبان فاستسق لنا . فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة [فنقول له: كم؟ فيقول:] صاعا من تمر أو مدين من شعير . قال: فيخرج ذلك ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا ، فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ويسقى ، قد فعل ذلك غير مرة ، ولا مرتين ، ولا ثلاثا . قال:

ثم حضرته الوفاة عندنا ، فلما عرف أنه ميت قال ، يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس؟ قال: قلنا: أنت أعلم . قال: فإني إنما [ ص: 339 ] قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظلكم [زمانه ، هذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم] زمانه فلا يسبقنكم أحد إليه يا معشر اليهود ، فإنه يبعث يسفك الدماء ، ويسبي الذراري والنساء ، ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه . فلما بعث الله رسوله وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية وكانوا شبابا أحداثا: يا بني قريظة ، والله إنه النبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان . قالوا: ليس به . قالوا: بلى والله إنه لهو بصفته .

فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم .

ومن الأمارات رجفة عظيمة أصابت الشام

قال مؤلف الكتاب : كان الرهبان يعدونها لعلامة ظهوره ، وكانوا يقولون إنه شاب قد دخل في الكهولة يجتنب المحارم والمظالم ، ويصل الرحم ، ويأمر بصلتها ، وهو متوسط في العشيرة [صلى الله عليه] .

أخبرنا محمد بن ناصر [الحافظ] قال: أخبرنا عبد المحسن بن علي قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد المحاملي قال: أخبرنا الدارقطني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سالم المخزومي قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب المدني قال: أخبرنا إسحاق العدوي قال: حدثني عثمان بن الضحاك الحزامي قال: حدثني أبي ، عن مخرمة بن سليمان ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن أبيه قال: قال طلحة بن عبد الله .

حضرت سوق بصرى ، فإذا براهب في صومعته يقول: اسألوا أهل الموسم ، هل فيكم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: فقلت نعم أنا . قال لي: هل ظهر [ ص: 340 ] بمكة بعد أحمد؟ قلت: وما أحمد ؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، ومخرجه من الحرم ، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ . قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال الراهب ، فخرجت حتى قدمت مكة ، فقلت:

هل كان من حدث؟ قالوا: نعم ، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ ، وتابعه ابن أبي قحافة .

فخرجت حتى أتيت أبا بكر فأخبرته وقلت له: هل تابعت الرجل [قال: نعم] فانطلق فبايعه ، فإنه يدعو إلى الحق ، فذهب أبو بكر رضي الله عنه معه قال طلحة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبر الراهب وما قال لي .

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا أبو محمد الحسين بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال ، حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال:

حدثني سلمان بن داود بن الحصين ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال:

لما قدم تبع المدينة ونزل بقناة بعث إلى أحبار يهود وقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا يقوم به يهودية ويرجع الأمر إلى [دين] العرب . قال: فقال له سامول اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: أيها الملك ، إن هذا بلد يكون إليه مهاجرة نبي من بني إسماعيل ، مولده بمكة ، اسمه أحمد ، وهذه دار هجرته ، وإن منزلك هذا الذي أنت به [يكون] من القتلى والجراح أمر كثير في أصحابه وفي عدوهم قال تبع: ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعمون؟ قال: يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا . قال: فأين [ ص: 341 ] قبره؟ قال: بهذا البلد ، قال: فإذا قوبل فلمن تكون الدبرة ؟ قال: تكون له مرة وعليه مرة ، وبهذا المكان الذي أنت به يكون عليه ، ويقتل به أصحابه مقتلة لم يقتلوا في موطن ، ثم يكون له العاقبة ، ويظهر ولا ينازعه هذا الأمر من أحد . قال: وما صفته؟

قال: رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ، في عينيه حمرة ، يركب البعير ، ويلبس الشملة ، سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقى من أخ ، أو ابن عم ، أو عم ، حتى يظهر أمره . قال تبع: ما إلى هذه البلدة من سبيل ، وما كان ليكون خرابها إلا على يدي .

فخرج تبع منصرفا إلى اليمن .

قال محمد بن عمر : وحدثني عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه قال:

كان الزبير بن باطا أعلم اليهود ، يقول: إني وجدت سفرا كان يختمه علي فيه ذكر أحمد ، نبي يخرج بأرض القرظ ، صفته كذا وكذا ، فتحدث به الزبير بن باطا بعد أبيه ، والنبي صلى الله عليه وسلم [يومئذ] لم يبعث فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة [حتى] عمد إلى ذلك السفر فمحاه ، وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته ، وقال: ليس به .

قال محمد بن عمر: وحدثني الضحاك بن عثمان ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس قال: [ ص: 342 ]

كانت يهود قريظة ، والنضير ، وفدك ، وخيبر ، يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، قبيل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة . فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أحبار اليهود: ولد أحمد الليلة ، هذا الكوكب قد طلع ، فلما تنبأ قالوا: تنبأ أحمد ، قد طلع الكوكب ، كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه ، وما منعهم من اتباعه إلا الحسد والبغي .

قال محمد بن عمر: وحدثني ابن أبي ذئب ، عن مسلم بن حبيب عن النضر بن سفيان الهذلي ، عن أبيه قال:

خرجنا في عير لنا إلى الشام ، فلما كنا بين الزرقاء ومعان ، وقد عرسنا من الليل إذا بفارس يقول: أيها النيام هبوا فليس هذا بحين رقاد ، قد خرج أحمد ، وطردت الجن كل مطرد ، ففزعنا ونحن رفقة [جرارة] كلهم قد سمع هذا ، فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش بنبي خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد .

قال محمد بن سعد : وأخبرنا علي بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت:

سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات ، فلما كانت ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من مجالس قريش: هل فيكم من مولود ولد هذه الليلة؟

قالوا ، لا نعلمه ، قال: انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم:

ولد الليلة نبي هذه الأمة: أحمد ، به شامة بين كتفيه فيها شعرات . فتصدع القوم من مجالسهم وهم يتعجبون من حديثه ، فلما صاروا في منازلهم وذكروا لأهاليهم ، فقيل لبعضهم: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام سماه محمدا فأتوا اليهودي في [ ص: 343 ] منزله ، فقالوا: أعلمت أنه ولد فينا مولود؟ فقال: أبعد خبري أم قبله؟ قالوا: قبله ، واسمه أحمد . قال: فاذهبوا بنا إليه فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه فأخرجته إليهم ، فرأى شامة في ظهره ، فغشي على اليهودي ، ثم أفاق فقالوا: ما لك؟ قال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل ، وخرج الكتاب منهم ، وهذا مكتوب يقتلهم ويبز أخبارهم ، فازت العرب بالنبوة ، أفرحتم يا معشر قريش؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق إلى المغرب .

قال: وأخبرنا علي بن محمد بن سلمة بن عثمان ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال: كانت العرب تسمع من أهل الكتاب ومن الكهان أن نبيا يبعث من العرب اسمه محمد ، [فسمى من بلغه ذلك من العرب ولده محمدا] طمعا في النبوة .

أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي قال: أخبرنا القاضي أبو محمد همام بن محمد بن الحسن الأيلي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسن بن علي بن مهدي قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن الحسين بن شعبة قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن حسان الأنصاري قال: حدثنا بشر بن حجر الشامي قال: أخبرنا علي بن منصور الأنباري ، عن غياث بن عبد الرحمن الرقاشي عن محمد بن كعب القرظي قال: بينما عمر بن الخطاب قاعد في المسجد إذ مر به رجل في مؤخر المسجد فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ، أتعرف المار ؟ قال: فمن هو؟ قال: سواد بن قارب ، [وهو [ ص: 344 ] رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع ، وهو الذي أتاه ريبة بظهور النبي صلى الله عليه وسلم . فقال عمر: علي به . فدعي به ، فقال ، أنت سواد بن قارب؟] قال: نعم . قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك . فغضب غضبا شديدا وقال: يا أمير المؤمنين ، ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت . فقال عمر: يا سبحان الله ، والله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك ، أخبرني بإشارات أتتك بظهور النبي [صلى الله عليه وسلم] .

قال: نعم ، يا أمير المؤمنين بينا أنا [ذات ليلة] بين النائم واليقظان إذ أتاني آت ، فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب [فافهم] واعقل إن كنت تعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته ، ثم أنشأ [الجني] يقول:


عجبت للجن وتجساسها وشدها العيس بأحلاسها     تهوي إلى مكة تبغي الهدى
ما خير الجن كأرجاسها     فارحل إلى الصفوة من هاشم
واسم بعينيك إلى رأسها

قال: فلم أرفع لقوله رأسا ، وقلت: دعني أنام ، فإني أمسيت ناعسا ، فلما كان في الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم فافهم ، واعقل إن كنت تعقل ، قد بعث نبي من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته ، ثم أنشأ [الجني] يقول:


[عجبت للجن وتطلابها     وشدها العيس بأقتابها]
تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما صادق الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم     ليس قداماها كأذنابها

قال: فلم أرفع بقوله رأسا . فقلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعسا ، فلما كان الليلة [ ص: 345 ] الثالثة أتاني فضربني برجله وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب ، قم فافهم واعقل إن كنت تعقل ، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ، ثم أنشأ يقول:


عجبت للجن وأخبارها     وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما مؤمنو الجن ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم     بين روابيها وأحجارها

قال: فوقع في قلبي حب الإسلام ، ورغبت فيه ، فلما أصبحت شددت علي راحلتي وانطلقت متوجها إلى مكة ، فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة ، فقدمت المدينة ، فسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم . فقيل لي: في المسجد ، فأتيت إلى المسجد فعقلت ناقتي ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله ، فقلت:

تسمع مقالتي يا رسول الله . فقال لأبي بكر: ادنه ادنه ، فلم يزل بي حتى صرت بين يديه ، فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله قال: هات ، فأخبرني بإتيانك رئيك . فقلت:


أتاني نجي بعد هدء ورقدة     ولم أك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة     أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت عن ذيلي الإزار ووسطت     بي الذعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن الله لا رب غيره     وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة     إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل     وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة     سواك لمغن عن سواد بن قارب

قال: ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي فرحا شديدا وأصحابه حتى رئي الفرح في [ ص: 346 ] وجوههم . قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالتزمه وقال: قد كنت أحب أن أسمع هذا منك
. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال:

أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن قريشا أتوا كاهنة ، فقالوا: أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام . فقالت:

إن أنتم جررتم كساء على هذه السهلة ، ثم مشيتم عليها نبأتكم . فجروا ، ثم مشى الناس عليها ، فأبصرت أثر محمد صلى الله عليه وسلم فقالت: هذا أقربكم شبها به ، فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو قريبا من عشرين سنة أو ما شاء الله ، ثم بعث صلى الله عليه وسلم . [ ص: 347 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية