الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: إذ قال موسى لأهله منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأمر بتلاوة بعض من القرآن الذي تلقاه - صلى الله عليه وسلم - من لدنه - عز وجل - تقريرا لما قبله وتحقيقا له، أي: اذكر [ ص: 159 ] لهم وقت قول موسى - عليه السلام - لأهله، وجوز أن تكون (إذ) ظرفا لـ(عليم).

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقبه في البحر بأن ذلك ليس بواضح إذ يصير الوصف مقيدا بالمعمول، وقال في الكشف: ما يتوهم من دخل التقييد بوقت معين مندفع؛ إذ ليس مفهوما معتبرا عند المعتبر، ولأنه لما كان تمهيد القصة حسن أن يكون قيدا لها، كأنه قيل: ما أعلمه حيث فعل بموسى - عليه السلام - ما فعل، ولما كان ذلك من دلائل العلم والحكمة على الإطلاق لم يضر التقييد بل نفع لرجوعه بالحقيقة إلى نوع من التعليل والتذكير اهـ.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يخفى أن الظاهر - مع هذا - هو الوجه الأول، ثم إن قول موسى - عليه السلام -: إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر كان في أثناء سيره خارجا من مدين عند وادي طوى، وكان - عليه السلام - قد حاد عن الطريق في ليلة باردة مظلمة، فقدح، فأصلد زنده، فبدا له من جانب الطور نار، والمراد بالخبر الذي يأتيهم به من جهة النار الخبر عن حال الطريق؛ لأن من يذهب لضوء نار على الطريق يكون كذلك، ولم يجرد الفعل عن السين إما للدلالة على بعد مسافة النار في الجملة؛ حتى لا يستوحشوا إن أبطأ - عليه السلام – عنهم، أو لتأكيد الوعد بالإتيان؛ فإنها - كما ذكره الزمخشري - تدخل في الوعد لتأكيده، وبيان أنه كائن لا محالة وإن تأخر، وما قيل من أن السين للدلالة على تقريب المدة دفعا للاستيحاش إنما ينفع - على ما قيل - في اختياره على سوف دون التجريد الذي يتبادر من الفعل معه الحال الذي هو أتم في دفع الاستيحاش.

                                                                                                                                                                                                                                      ولعل الأولى اعتبار كونه للتأكيد، لا يقال: إنه - عليه السلام - لم يتكلم بالعربية وما ذكر من مباحثها؛ لأنا نقول: ما المانع من أن يكون في غير اللغة العربية ما يؤدي مؤداها، بل حكاية القول عنه - عليه السلام - بهذه الألفاظ يقتضي أنه تكلم في لغته بما يؤدي ذلك ولا بد، وجمع الضمير - إن صح أنه لم يكن معه عليه السلام غير امرأته – للتعظيم، وهو الوجه في تسمية الله - تعالى شأنه - امرأة موسى - عليه السلام – بالأهل، مع أنه جماعة الأتباع.

                                                                                                                                                                                                                                      أو آتيكم بشهاب قبس أي بشعلة نار مقبوسة، أي: مأخوذة من أصلها، فـ(قبس) صفة (شهاب) أو بدل منه، وهذه قراءة الكوفيين ويعقوب، وقرأ باقي السبعة والحسن «بشهاب قبس» بالإضافة، واختارها أبو الحسن، وهي إضافة بيانية لما بينهما من العموم والخصوص، كما في (ثوب خز) فإن الشهاب يكون قبسا وغير قبس، والعدتان على سبيل الظن، ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في سورة طه، فلا تدافع بين ما وقع هنا وما وقع هناك، والترديد للدلالة على أنه - عليه السلام - إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما بناء على ظاهر الأمر، وثقة بسنة الله - عز وجل - أنه لا يكاد يجمع حرمانين على عبد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يجوز أن يقال: الترديد؛ لأن احتياجه - عليه السلام - إلى أحدهما لا لهما؛ لأنه كان في حال الترحال، وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطريق، فيستمر في سفره، فإن لم يجده يقتبس نارا ويوقدها ويدفع ضرر البرد في الإقامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب بأنه قد ورد في القصة أنه - عليه السلام - كان قد ولد له عند الطور ابن في ليلة شاتية وظلمة مثلجة، وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته، فرأى النار، فقال لأهله ما قال، وهو يدل على احتياجه لهما معا، لكنه تحرى - عليه السلام - الصدق فأتى بـ(أو).

                                                                                                                                                                                                                                      لعلكم تصطلون أي: رجاء أو لأجل أن تستدفئوا بها، والصلاة - بكسر الصاد والمد ويفتح بالقصر - الدنو من النار لتسخين البدن، وهو الدفء، ويطلق على النار نفسها، أو هو بالكسر الدفء [ ص: 160 ] وبالفتح

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية