الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله (تعالى): ذلك أدنى ألا تعولوا ؛ فإن ابن عباس ؛ والحسن ؛ ومجاهدا؛ وأبا رزين؛ والشعبي ؛ وأبا مالك ؛ وإسماعيل ؛ وعكرمة ؛ وقتادة ؛ قالوا: "يعني: لا تميلوا عن الحق"؛ وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك الغفاري: ذلك أدنى ألا تعولوا ؛ ألا تميلوا؛ وأنشد عكرمة شعرا لأبي طالب:


بميزان صدق لا يخس شعيرة ... ووزان قسط وزنه غير عائل



[ ص: 350 ] قال: غير مائل؛ قال أهل اللغة: أصل العول المجاوزة للحد؛ فالعول في الفريضة مجاوزة حد السهام المسماة؛ والعول الميل الذي هو خلاف العدل؛ لخروجه عن حد العدل؛ و"عال؛ يعول"؛ إذا جار؛ و"عال؛ يعيل"؛ إذا تبختر؛ و"عال؛ يعيل"؛ إذا افتقر؛ حكى لنا ذلك أبو عمر ؛ غلام ثعلب؛ وقال الشافعي ؛ في قوله (تعالى): ذلك أدنى ألا تعولوا : "معناه ألا يكثر من تعولون"؛ قال: "وهذا يدل على أن على الرجل نفقة امرأته "؛ وقد خطأه الناس في ذلك من ثلاثة أوجه؛ أحدها أنه لا خلاف بين السلف وكل من روي عنه تفسير هذه الآية أن معناه: "ألا تميلوا"؛ و"ألا تجوروا"؛ وأن هذا الميل هو خلاف العدل الذي أمر الله (تعالى) به من القسم بين النساء؛ والثاني خطؤه في اللغة; لأن أهل اللغة لا يختلفون في أنه لا يقال في كثرة العيال: "عال؛ يعول"؛ ذكره المبرد ؛ وغيره من أئمة اللغة؛ وقال أبو عبيدة ؛ معمر بن المثنى: ألا تعولوا ؛ قال: "ألا تجوروا؛ يقال: "علت علي "؛ أي: جرت"؛ والثالث أن في الآية ذكر الواحدة؛ أو ملك اليمين؛ والإماء في العيال بمنزلة النساء؛ ولا خلاف أن له أن يجمع من العدد من شاء بملك اليمين؛ فعلمنا أنه لم يرد كثرة العيال؛ وأن المراد نفي الجور؛ والميل؛ بتزوج امرأة واحدة ؛ إذ ليس معها من تلزمه القسم بينها وبينها؛ إذ لا قسم للإماء بملك اليمين؛ والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية