الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه . لما ضرب الله مثلا للمشركين والمؤمنين بمثل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجل خالص لرجل ، كان ذلك المثل مثيرا لأن يقول قائل المشركين لتتألبن شركاؤنا على الذي جاء يحقرها ويسبها ، ومثيرا لحمية المشركين أن ينتصروا لآلهتهم كما قال مشركو قوم إبراهيم حرقوه وانصروا آلهتكم ، وربما أنطقتهم حميتهم بتخويف الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الكشاف وتفسير القرطبي : أن قريشا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك معرتها بعين بعد الميم بمعنى الإصابة بمكروه يعنون المضرة لعيبك إياها ، وفي تفسير ابن عطية ما هو بمعنى هذا ، فلما حكى تكذيبهم النبيء عطف الكلام إلى ما هددوه به وخوفوه من شر أصنامهم بقوله أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه .

فهذا الكلام معطوف على قوله ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء الآية ، والمعنى : أن الله الذي أفردته بالعبادة هو كافيك شر المشركين وباطل آلهتهم التي عبدوها من دونه ، فقوله أليس الله بكاف عبده تمهيد لقوله ويخوفونك بالذين من دونه ، قدم عليه لتعجيل مساءة المشركين بذلك ، ويستتبع ذلك تعجيل مسرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله ضامن له الوقاية كقوله فسيكفيكهم الله .

[ ص: 13 ] وأصل النظم : ويخوفونك بالذين من دون الله و الله كافيك ، فغير مجرى النظم لهذا الغرض ، ولك أن تجعل نظم الكلام على ترتيبه في اللفظ فتجعل جملة أليس الله بكاف عبده استئنافا وتصير جملة ( ويخوفونك ) حالا .

ووقع التعبير عن النبيء صلى الله عليه وسلم بالاسم الظاهر وهو عبده دون ضمير الخطاب لأن المقصود توجيه الكلام إلى المشركين ، وحذف المفعول الثاني ل ( كاف ) لظهور أن المقصود كافيك أذاهم ، فأما الأصنام فلا تستطيع أذى حتى يكفاه الرسول صلى الله عليه وسلم والاستفهام إنكار عليهم ظنهم أن لا حامي للرسول صلى الله عليه وسلم من ضر الأصنام .

والمراد ب ( عبده ) هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا محالة وبقرينة ( ويخوفونك ) .

وفي استحضار الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية وإضافته إلى ضمير الجلالة ، معنى عظيم من تشريفه بهذه الإضافة وتحقيق أنه غير مسلمه إلى أعدائه .

والخطاب في ( ويخوفونك ) للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو التفات من ضمير الغيبة العائد على عبده ، ونكتة هذا الالتفات هو تمحيض قصد النبيء بمضمون هذه الجملة بخلاف جملة أليس الله بكاف عبده كما علمت آنفا .

و الذين من دونه هم الأصنام . عبر عنهم وهم حجارة بموصول العقلاء لكثرة استعمال التعبير عنهم في الكلام بصيغ العقلاء . و من دونه صلة الموصول على تقدير محذوف يتعلق به المجرور دل عليه السياق ، تقديره : اتخذوهم من دونه أو عبدوهم من دونه .

ووقع في تفسير البيضاوي أن سبب نزول هذه الآية هو خبر توجيه النبيء صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى هدم العزى وأن سادن العزى قال لخالد : أحذركها يا خالد فإن لها شدة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس فأنزل الله هذه الآية . وتأول الخطاب في قوله ويخوفونك بأن تخويفهم خالدا أرادوا به تخويف النبيء صلى الله عليه وسلم فتكون هذه الآية مدنية وسياق الآية ناب عنه . ولعل بعض من قال هذا إنما أراد الاستشهاد لتخويف المشركين النبيء صلى الله عليه وسلم من أصنامهم بمثال مشهور .

[ ص: 14 ] وقرأ الجمهور بكاف عبده ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف " عباده " بصيغة الجمع أي النبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فإنهم لما خوفوا النبيء صلى الله عليه وسلم فقد أرادوا تخويفه وتخويف أتباعه وأن الله كفاهم شرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية