الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      ما جاء في صلاة الخسوف قال ابن القاسم وقال مالك : لا يجهر بالقراءة في صلاة الخسوف ، قال وتفسير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو جهر بشيء فيها لعرف ما قرأ .

                                                                                                                                                                                      قال : والاستفتاح في صلاة الخسوف في كل ركعة من الأربع ب { الحمد لله رب العالمين } ، قال : ولا أرى للناس إماما كان أو غيره أن يصلوا صلاة الخسوف بعد زوال الشمس ، وإنما سنتها أن تصلى ضحوة إلى زوال الشمس وكذلك سمعت .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون وقد روى ابن وهب عن مالك : أنها تصلى في وقت كل صلاة وإن كان بعد زوال الشمس .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : هل تحفظ عن مالك في السجود في صلاة الخسوف أنه يطيل في السجود كما يطيل في الركوع ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا إلا أن في الحديث ركع ركوعا طويلا .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وأحب إلي أن يسجد سجودا طويلا ولا أحفظ طول السجود عن مالك ، قلت : فهل يوالي بين السجدتين في قول مالك في صلاة الخسوف ولا يقعد بينهما ؟ قال : نعم ، وذلك ; لأنه لو كان بينهما قعود لذكر في الحديث .

                                                                                                                                                                                      قلت : فهل كان مالك يرى أن صلاة الخسوف سنة لا تترك مثل صلاة العيدين سنة لا تترك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : هل يصلي أهل القرى وأهل العمود والمسافرون صلاة الخسوف في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في المسافرين يصلون صلاة الخسوف جماعة إلا أن يعجل بالمسافرين السير ، قال : وإن كان رجلا مسافرا صلى صلاة الخسوف وحده على سنتها .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإن صلوا صلاة الخسوف جماعة أو صلاها رجل وحده فبقيت الشمس على حالها لم تنجل ، قال : يكفيهم صلاتهم لا يصلون صلاة الخسوف ثانية ولكن الدعاء ومن شاء تنفل ، وإنما السنة في صلاة الخسوف فقد فرغوا منها .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت من أدرك الركعة الثانية من الركعة الأولى في صلاة الخسوف وقد فرغ الإمام ، هل على الذي فاتته الركعة الأولى في صلاة الخسوف أن يقضي شيئا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : تجزئه الركعة الثانية التي أدركها من الركعة الأولى التي فاتته ، كما يجزئ من أدرك الركوع في الصلاة من القراءة إذا فاتته القراءة وكذلك قال لي مالك ، قال : وأنا أرى في الركعة الثانية أنها بمنزلة الركعة الأولى إذا فاته أول الركعة من الركعة الثانية وأدرك الآخرة ، أن يقضي [ ص: 243 ] ركعتين بسجدتين ويجزئ عنه .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : وأرى أن تصلي المرأة صلاة الخسوف في بيتها ، قال : ولا أرى بأسا أن تخرج المتجالات من النساء في صلاة خسوف الشمس .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت الإمام إذا سها في صلاة خسوف الشمس أعليه سجدتا السهو في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في صلاة خسوف القمر : يصلون ركعتين ركعتين كصلاة النافلة ويدعون ولا يجمعون ، وليس في خسوف القمر سنة ولا جماعة كصلاة خسوف الشمس .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وأنكر مالك السجود في الزلازل قال سحنون عن ابن القاسم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، أن عبد الله بن عباس قال : { خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه ، فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ، ثم رفع رأسه فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم رفع رأسه فسجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك بهما فاذكروا الله . قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال : إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا ورأيت أكثر أهلها النساء . قالوا : يا رسول الله بم ؟ قال : بكفرهن قيل : يكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط } .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : وإنما يعني بقوله في الركعة الثانية فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول يعني : القيام الذي يليه ، قال : وكذلك قوله في الركوع الآخر إنما يعني دون الركوع الذي يليه .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب قال مالك : ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلا في خسوف الشمس ، ولم يعمل أهل بلدنا فيما سمعنا وأدركنا إلا بذلك . قال : وما سمعنا أن خسوف القمر يجمع له الإمام ، قال ابن وهب وقال عبد العزيز بن أبي سلمة : ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة في خسوف القمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { فإذا رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة } ، وفي حديث عائشة { فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة } .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية