الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      الصدقة على اليتيم

                                                                                                      2581 أخبرني زياد بن أيوب قال حدثنا إسمعيل ابن علية قال أخبرني هشام قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح لكم من زهرة وذكر الدنيا وزينتها فقال رجل أو يأتي الخير بالشر فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما شأنك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك قال ورأينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح الرحضاء وقال أشاهد السائل إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت ثم بالت ثم رتعت وإن هذا المال خضرة حلوة ونعم صاحب المسلم هو إن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل وإن الذي يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      2581 ( الرحضاء ) بضم الراء وفتح الحاء المهملة وضاد معجمة ممدودة : هو عرق يغسل [ ص: 91 ] الجلد لكثرته ( إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم ) أي يقرب من الهلاك ( إلا ) كلمة الاستثناء ( آكلة الخضر ) بالمد وكسر الضاد : نوع من البقول ( فثلطت ) بالمثلثة ، أي ألقت رجيعها سهلا رقيقا ، قال في النهاية : ضرب في هذا الحديث مثلين أحدهما : للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها ، والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها ، فقوله : إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم مثل للمفرط [ ص: 92 ] الذي يأخذ الدنيا بغير حقها ، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه ، حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الاحتمال ، فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك , وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك في الآخرة بدخول النار ، وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه وغير ذلك من أنواع الأذى ، وأما قوله : إلا آكلة الخضر فإنه مثل للمقتصد ، وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم ، ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها ، فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمرئها ، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لما يقتصر في أخذ الدنيا وجمعها ، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ، فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر ، ألا تراه قال : أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ، أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمرئ بذلك ما أكلت ، فإذا ثلطت زال عنها الحبط ، وإنما تحبط الماشية لأنها تملأ بطونها ولا تثلط ولا تبول ، فتنتفخ أجوافها فيعرض لها المرض فتهلك .

                                                                                                      [ ص: 93 ]



                                                                                                      الخدمات العلمية