الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب طلب الشفعة والخصومة فيها

                                                                                                        قال : ( وإذا علم الشفيع بالبيع أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة ) .

                                                                                                        اعلم أن الطلب على ثلاثة أوجه : طلب المواثبة ، وهو أن يطلبها كما علم حتى لو بلغ الشفيع البيع ، ولم يطلب شفعة بطلت الشفعة لما ذكرنا ولقوله عليه الصلاة والسلام : { الشفعة لمن واثبها }ولو أخبر بكتاب والشفعة في أوله أو في وسطه فقرأ الكتاب إلى آخره بطلت شفعته ، وعلى هذا عامة المشايخ رحمهم الله [ ص: 427 ] وهو رواية عن محمد ، وعنه أن له مجلس العلم ، والروايتان في النوادر ، وبالثانية أخذ الكرخي ; لأنه لما ثبت له خيار التملك لا بد له من زمان التأمل كما في المخيرة ، ولو قال بعدما بلغه البيع : الحمد لله أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو قال : سبحان الله لا تبطل شفعته ; لأن الأول حمد على الخلاص من جواره .

                                                                                                        والثاني : تعجب منه لقصد إضراره . والثالث : لافتتاح كلامه فلا يدل شيء منه على الإعراض ، وكذا إذا قال : من ابتاعها وبكم بيعت ; لأنه يرغب فيها بثمن دون ثمن ويرغب عن مجاورة بعض دون بعض ، والمراد بقوله في الكتاب : أشهد في مجلسه ذلك على المطالبة ، طلب المواثبة والإشهاد فيه ليس بلازم إنما هو لنفي التجاحد ، والتقييد بالمجلس إشارة إلى ما اختاره الكرخي رحمه الله ، ويصح الطلب بكل لفظ يفهم منه طلب الشفعة ، كما لو قال طلبت الشفعة أو أطلبها أو أنا طالبها ; لأن الاعتبار للمعنى ، وإذا بلغ الشفيع بيع الدار لم يجب عليه الإشهاد ، حتى يخبره رجلان أو رجل وامرأتان أو واحد عدل عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : يجب عليه أن يشهد إذا أخبره واحد حرا كان أو عبدا صبيا كان أو امرأة إذا كان الخبر حقا ، وأصل الاختلاف في عزل الوكيل ، [ ص: 428 ] وقد ذكرناه بدلائله وأخواته فيما تقدم ، وهذا بخلاف المخيرة إذا أخبرت عنده ; لأنه ليس فيه إلزام حكم ، وبخلاف ما إذا أخبره المشتري ; لأنه خصم فيه ، والعدالة غير معتبرة في الخصوم ، والثاني طلب التقرير والإشهاد ; لأنه محتاج إليه لإثباته عند القاضي على ما ذكرنا ، ولا يمكنه الإشهاد ظاهرا على طلب المواثبة ; لأنه على فور العلم بالشراء ، فيحتاج بعد ذلك إلى طلب الإشهاد والتقرير ، وبيانه ما قال في الكتاب ( ثم ينهض منه ) يعني من المجلس ( ويشهد على البائع إن كان المبيع في يده ) معناه لم يسلم إلى المشتري ( أو على المبتاع أو عند العقار ، فإذا فعل ذلك استقرت شفعته ) وهذا ; لأن كل واحد منهما خصم فيه ; لأن للأول اليد وللثاني الملك ، وكذا يصح الإشهاد عند المبيع ; لأن الحق متعلق به ، فإن سلم البائع المبيع لم يصح الإشهاد عليه لخروجه من أن يكون خصما إذ لا يد له ولا ملك فصار كالأجنبي

                                                                                                        وصورة هذا الطلب : أن يقول : إن فلانا اشترى هذه الدار ، وأنا شفيعها وقد كنت طلبت الشفعة وأطلبها الآن فاشهدوا على ذلك .

                                                                                                        وعن أبي يوسف : أنه يشترط تسمية المبيع وتحديده ; لأن المطالبة لا تصح إلا في معلوم ، والثالث طلب الخصومة والتملك ، وسنذكر كيفيته من بعد إن شاء الله تعالى .

                                                                                                        [ ص: 425 - 426 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 425 - 426 ] باب طلب الشفعة حديث واحد :

                                                                                                        قال عليه السلام : { الشفعة لمن واثبها }قلت : غريب ; وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " من قول شريح : إنما الشفعة لمن واثبها ، وكذلك ذكره القاسم بن ثابت السرقسطي في " كتاب غريب الحديث في باب كلام التابعين " وهو آخر الكتاب . [ ص: 427 ] ومن أحاديث الباب :

                                                                                                        ما أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : الشفعة كحل العقال ، }انتهى . أخرجه في " الأحكام " ; ورواه البزار في " مسنده " ، ومن طريق البزار رواه ابن حزم في " المحلى " ، وزاد فيه : ومن مثل بعبده فهو حر ، وهو مولى الله ، ورسوله ، والناس على شروطهم ما وافق الحق ، قال ابن القطان في " كتابه " : وهذه الزيادة ليست عند البزار في حديث الشفعة ، ولكنه أورد حديث العبد ، بالإسناد المذكور حديثا ، وأورد أمر الشروط حديثا ، وأظن أن ابن حزم لما وجد ذلك كله بإسناد واحد لفقه حديثا ، وأخذ تشنيعا على الخصوم الآخذين لبعض ما روي بهذا الإسناد ، التاركين لبعضه انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " بلفظ ابن ماجه ، وضعف محمد بن الحارث عن البخاري ، والنسائي ، وابن معين ، وضعف شيخه أيضا ، قال ابن القطان : واعلم أن محمد بن الحارث هذا ضعيف جدا ، وهو أسوأ حالا من أن البيلماني ، وأبيه ، قال فيه [ ص: 428 ] الفلاس : متروك الحديث ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وضعفه أبو حاتم ، ولم أر فيه أحسن من قول البزار فيه : رجل مشهور ، ليس به بأس ، وإنما أعله بمحمد بن عبد الرحمن بن البيلماني انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية