الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المغفر

                                                                                                          1693 حدثنا قتيبة حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وعلى رأسه المغفر فقيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرف كبير أحد رواه غير مالك عن الزهري [ ص: 279 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 279 ] ( باب ما جاء في المغفر ) قال في القاموس : المغفر كمنبر وبهاء وككتابة زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع بها المتسلح انتهى . وقال في الصراح : زرد بالتحريك زرد بافته زراد زرة كر .

                                                                                                          قوله : ( عام الفتح ) أي عام فتح مكة ( وعلى رأسه المغفر ) زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس ، وقيل : هو رفرف البيضة . قال في المحكم وفي المشارق : هو ما يجعل من فضل دروع الحديد على الرأس مثل القلنسوة . وفي رواية زيد بن الحباب عن مالك يوم الفتح : وعليه مغفر من حديد . أخرجه الدارقطني في الغرائب ( فقيل له ) أي للنبي صلى الله عليه وسلم ( ابن خطل ) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة اختلف في اسمه فقيل : عبد الله ، وقيل : عبد العزى وقيل غير ذلك . قال الحافظ : والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزى فلما أسلم سمي عبد الله ، وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال انتهى . ( قال اقتلوه ) قال الحافظ : والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله : من دخل المسجد فهو آمن ، ما روى ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة قال : لا يقتل أحد إلا من قاتل إلا نفرا سماهم ، فقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة ، منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد ، وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما ، فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا ، فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا ، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري في الحج وفي الجهاد وفي المغازي وفي اللباس ، وأخرجه مسلم في المناسك ، وأبو داود في الجهاد ، والنسائي في الحج وفي السير ، وابن ماجه في الجهاد .

                                                                                                          قوله : ( لا نعرف كبير أحد رواه غير مالك عن الزهري ) كذا في النسخ الحاضرة عندنا ، [ ص: 280 ] ونقل الحافظ في الفتح هذه العبارة بلفظ : لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري كما ستقف ، قال الحافظ : وقيل : إن مالكا تفرد به عن الزهري ، وممن جزم بذلك ابن الصلاح في علوم الحديث له في الكلام على الشاذ ، وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي ، وقال إن رواية ابن أخي الزهري عند البزار ورواية أبي أويس عند ابن سعد وابن عدي وأن رواية معمر ذكرها ابن عدي ، وأن رواية الأوزاعي ذكرها المزني ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما ، وقد وجدت رواية معمر في فوائد ابن المقري ، ورواية الأوزاعي في فوائد تمام ، ثم نقل شيخنا عن ابن السدي أن ابن العربي قال حين قيل له لم يروه إلا مالك : قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك وإنه وعد بإخراج ذلك ولم يخرج شيئا . وأطال ابن السدي في هذه القصة وأنشد فيها شعرا وحاصلها أنهم اتهموا ابن العربي في ذلك ونسبوه إلى المجازفة ، ثم شرع ابن السدي يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك ، فراوي القصة عدل متقن ، والذين اتهموا ابن العربي في ذلك هم الذين أخطئوا لقلة اطلاعهم ، وكأنه بخل عليهم بإخراج ذلك لما ظهر له من إنكارهم وتعنتهم وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد ، ثم ذكر الحافظ تلك الطرق التي وجدها ثم قال : فتبين بذلك أن إطلاق ابن الصلاح متعقب ، وأن قول ابن العربي صحيح ، وأن كلام من اتهمه مردود ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك ، فيحمل قول من قال انفرد به مالك أي بشرط الصحة ، وقول من قال توبع أي في الجملة ، وعبارة الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه حسن صحيح غريب لا يعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهري ، فقوله كثير يشير إلى أنه توبع في الجملة انتهى كلام الحافظ مختصرا .




                                                                                                          الخدمات العلمية