الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              المقدمة الثالثة : في دليل وجوب الترجيح

              . فإن قال قائل : لم رجحتم أحد الظنين وكل [ ص: 376 ] ظن لو انفرد بنفسه لوجب اتباعه ؟ وهلا قضيتم بالتخيير أو التوقف قلنا : كان يجوز أن يرد التعبد بالتسوية بين الظنين وإن تفاوتا ، لكن الإجماع قد دل على خلافه على ما علم من السلف في تقديم بعض الأخبار على بعض لقوة الظن بسبب علم الرواة وكثرتهم وعدالتهم وعلو منصبهم ;

              فلذلك قدموا خبر أزواجه عليه السلام على غيرهن من النساء وقدموا خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين على خبر من روى { لا ماء إلا من الماء } وخبر من روت من أزواجه أنه كان يصبح جنبا على ما روى أبو هريرة عن الفضل بن عباس : أن { من أصبح جنبا فلا صوم له } وكما قوى علي خبر أبي بكر فلم يحلفه وحلف غيره وقوى أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة لما روى معه محمد بن مسلمة ، وقوى عمر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان بموافقة أبي سعيد الخدري في الرواية ، إلى غير ذلك مما يكثر تتبعه .

              وكذلك إذا غلب على الظن كون الفرع أشبه بأحد الأصلين وجب اتباعه بالإجماع فقد فهم من أهل الإجماع أنهم تعبدوا بما هو عادة للناس في حراثتهم وتجارتهم وسلوكهم الطرق المخوفة ، فإنهم عند تعارض الأسباب المخوفة يرجحون ويميلون إلى الأقوى . فإن قيل : فلم لم ترجحوا في الشهادة بالكثرة وقوة غلبة الظن بل يقضى بالتعارض عند تناقض البينتين ؟ قلنا : لأن أهل الإجماع لم يرجحوا في الشهادة وقد رجحوا في الرواية ، وسببه أن باب الشهادة مبني على التعبد حتى لو أتى عشرة بلفظ الإخبار دون الشهادة لم تقبل ولا تقبل شهادة مائة امرأة ولا مائة عبد على باقة بقل . هذه هي المقدمات .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية