الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد تنازع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه : والأكثرون يقولون : إنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه ، وزعم بعضهم أنه مجرد تخييل .

واتفقوا كلهم على أن ما كان من جنس دعوة الكواكب السبعة ، أو غيرها ، أو خطابها ، أو السجود لها ، والتقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخور ونحو ذلك - فإنه كفر ، وهو من أعظم أبواب [ ص: 765 ] الشرك ، فيجب غلقه ، بل سده . وهو من جنس فعل قوم إبراهيم عليه السلام ، ولهذا قال ما حكى الله عنه بقوله : فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم [ الصافات : 88 - 89 ] . وقال تعالى : فلما جن عليه الليل رأى كوكبا [ الأنعام : 76 ] الآيات ، إلى قوله تعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون [ الأنعام : 82 ] .

واتفقوا كلهم أيضا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم ، فيه شرك بالله ، فإنه لا يجوز التكلم به ، وإن أطاعته به الجن أو غيرهم ، وكذلك كل كلام فيه كفر لا يجوز التكلم به ، وكذلك الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم به ، لإمكان أن يكون فيه شرك لا يعرف . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا .

ولا يجوز الاستعاذة بالجن ، فقد ذم الله الكافرين على ذلك ، فقال تعالى : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا [ الجن : 6 ] . قالوا : كان الإنسي إذا نزل بالوادي يقول : أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه ، فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح ، فزادوهم رهقا يعني الإنس للجن ، باستعاذتهم بهم ، رهقا ، أي إثما وطغيانا وجراءة وشرا ، وذلك أنهم قالوا : قد سدنا الجن ، والإنس ! فالجن تعاظم في أنفسها وتزداد كفرا إذا عاملتها الإنس بهذه [ ص: 766 ] المعاملة . وقد قال تعالى : ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [ سبأ : 40 - 41 ] . فهؤلاء الذين يزعمون أنهم يدعون الملائكة ويخاطبونهم بهذه العزائم ، وأنها تنزل عليهم - : ضالون ، وإنما تنزل عليهم الشياطين ، وقد قال تعالى : ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم [ الأنعام : 128 ] . فاستمتاع الإنسي بالجني : في قضاء حوائجه ، وامتثال أوامره ، وإخباره بشيء من المغيبات ، ونحو ذلك ، واستمتاع الجن بالإنس : تعظيمه إياه ، واستعانته به ، واستغاثته وخضوعه له .

ونوع منهم [ يتكلم ] بالأحوال الشيطانية ، والكشوف ومخاطبة رجال الغيب ، وأن لهم خوارق تقتضي أنهم أولياء الله ! وكان من هؤلاء من يعين المشركين على المسلمين ! ويقول : إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين ، لكون المسلمين قد عصوا ! ! وهؤلاء في الحقيقة إخوان المشركين .

والناس من أهل العلم فيهم [ على ] ثلاثة أحزاب :

حزب يكذبون بوجود رجال الغيب ، ولكن قد عاينهم الناس ، وثبت عمن عاينهم أو حدثه الثقات بما رأوه ، وهؤلاء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم خضعوا لهم .

[ ص: 767 ] وحزب عرفوهم ، ورجعوا إلى القدر ، واعتقدوا أن ثم في الباطن طريقا إلى الله غير طريقة الأنبياء !

وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا وليا خارجا عن دائرة الرسول ، فقالوا : يكون الرسول هو ممدا للطائفتين . فهؤلاء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه .

والحق : أن هؤلاء من أتباع الشياطين ، وأن رجال الغيب هم الجن ، ويسمون رجالا ، كما قال تعالى : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا [ الجن : 6 ] . وإلا فالإنس يؤنسون ، أي يشهدون ويرون ، وإنما يحتجب الإنسي أحيانا ، لا يكون دائما محتجبا عن أبصار الإنس ، ومن ظن أنهم من الإنس فمن غلطه وجهله . وسبب الضلال فيهم ، وافتراق هذه الأحزاب الثلاثة - عدم الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن .

ويقول بعض الناس : الفقراء يسلم إليهم حالهم ! وهذا كلام باطل ، بل الواجب عرض أفعالهم وأحوالهم على الشريعة المحمدية ، فما وافقها قبل ! وما خالفها رد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد .

[ ص: 768 ] وفي رواية : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .

فلا طريقة إلا طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا حقيقة إلا حقيقته ، ولا شريعة إلا شريعته ، ولا عقيدة إلا عقيدته ، ولا يصل أحد من الخلق بعده إلى الله وإلى رضوانه وجنته وكرامته إلا بمتابعته باطنا وظاهرا .

ومن لم يكن له مصدقا فيما أخبر ، ملتزما لطاعته فيما أمر ، في الأمور الباطنة التي في القلوب ، والأعمال الظاهرة التي على الأبدان - : لم يكن مؤمنا ، فضلا عن أن يكون وليا لله تعالى ، ولو طار في الهواء ، ومشى على الماء ، وأنفق من الغيب ، وأخرج الذهب من الجيب ، ولو حصل له من الخوارق ماذا عسى أن يحصل ! ! فإنه لا يكون ، مع تركه الفعل المأمور وعزل المحظور - إلا من أهل الأحوال الشيطانية ، المبعدة لصاحبها عن الله تعالى ، المقربة إلى سخطه وعذابه . لكن من ليس يكلف من الأطفال والمجانين ، قد رفع عنهم القلم ، فلا يعاقبون ، وليس لهم من الإيمان بالله والإقرار باطنا وظاهرا ما يكونون به من أولياء الله المقربين ، وحزبه المفلحين ، وجنده الغالبين . لكن يدخلون في الإسلام تبعا لآبائهم ، كما قال تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين [ الطور : 21 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية