الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        201 174 - وأما حديث مالك عن صدقة بن يسار ، عن المغيرة بن حكيم أنه رأى ابن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه ، فلما انصرف ذكر ذلك له ; فقال له : إنها ليست سنة الصلاة ، وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        5050 - ففيه أن ابن عمر قال في انصراف المصلي بين السجدتين على صدور قدميه : إنها ليست سنة الصلاة ، والسنة إذا أطلقت فهي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تضاف إلى غيره ، كما قيل : سنة العمرين ، ونحو هذا .

                                                                                                                        5051 - وهذا الذي ينفي ابن عمر أن تكون سنة الصلاة هو الإقعاءالمنهي عنه عند جماعة العلماء .

                                                                                                                        5052 - ومن جعل الإقعاء انصراف المصلي بين السجدتين على صدور قدميه من العلماء - فليس بسنة ; لأن النبي - عليه السلام - نهى أن يقعي الرجل في صلاته كما يقعي الكلب .

                                                                                                                        [ ص: 268 ] 5053 - وقد روي عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي - عليه السلام - قال : " لا تقعين على عقبيك في الصلاة " .

                                                                                                                        5054 - وهذا غير صحيح ; لأن الحارث لم يسمع منه أبو إسحاق غير أربعة أحاديث ، وليس هذا منها . وقد تكلم في الحارث الشعبي وغيره ، وثقه آخرون .

                                                                                                                        [ ص: 269 ] 5055 - وعن أبي هريرة أنه كره الإقعاء .

                                                                                                                        5056 - وعن قتادة مثله .

                                                                                                                        5057 - وكره الإقعاء في الصلاة مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم .

                                                                                                                        5058 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد .

                                                                                                                        5059 - إلا أن أبا عبيد قال : الإقعاء جلوس الرجل على أليته ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع .

                                                                                                                        5060 - وهذا إقعاء مجتمع عليه ، لا يختلف العلماء فيه ، وهو تفسير أهل اللغة [ ص: 270 ] وطائفة من أهل الفقه .

                                                                                                                        5061 - قال أبو عبيد : وأما أهل الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يجعل أليته على عقبيه بين السجدتين .

                                                                                                                        5062 - قال أبو عمر : قد ذكرنا من قال ذلك أيضا من الفقهاء .

                                                                                                                        5063 - وأما الذين أجازوا رجوع المصلي على عقبيه وجلوسه على صدور قدميه بين السجدتين فجماعة :

                                                                                                                        5064 - قال طاوس : رأيت العبادلة يقعون في الصلاة : ابن الزبير ، وابن عباس ، وابن عمر .

                                                                                                                        5065 - وكذلك روى الأعمش عن عطية العوفي ، قال : رأيت العبادلة يقعون في الصلاة : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير .

                                                                                                                        5066 - قال أبو عمر : أما ابن عمر فقد ثبت عنه من وجوه نقلها مالك في موطئه أنه لم يفعل ذلك إلا أنه اشتكى ، وأن رجليه كانتا لا تحملانه ، وقد قال : إن ذلك ليست سنة الصلاة ، وكفى هذا ، فهو يخرج في المسند .

                                                                                                                        5067 - ومعلوم عند أهل السير والعلم بالأخبار أن يهود خيبر فدعوا يديه [ ص: 271 ] ورجليه فلم تعد كما كانت ، فكان يشتكي من أجل ذلك ، وكانت رجلاه لا تحملانه ; فكان يتربع .

                                                                                                                        5068 - وقال حبيب بن أبي ثابت : إن ابن عمر كان يقعي بعد ما كبر .

                                                                                                                        5069 - وأما ابن عباس فذكر عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه رأى ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير - يقعون بين السجدتين .

                                                                                                                        5070 - وذكر أبو داود ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول : قلنا لابن عباس : الإقعاء على القدمين في السجود ، قال : هي السنة ، قال : قلنا : إنا لنراه جفاء بالرجل ، فقال ابن عباس : هي سنة نبيك - عليه السلام - .

                                                                                                                        5071 - وقال إبراهيم بن ميسرة : عن طاوس قال : سمعت ابن عباس يقول : من السنة أن تمس عقبيك أليتك .

                                                                                                                        5072 - فهذا ابن عباس يثبت هذا المعنى سنة ، وهو الذي نفاه ابن عمر عن السنة ، والمثبت أولى من النافي من جهة النظر ومن جهة الأثر أيضا ; لأن الحديث المسند إنما فيه أن يقعي الرجل كما يقعي الكلب ، والكلب إنما يقعد على أليته ورجلاه من كل ناحية .

                                                                                                                        [ ص: 272 ] 5073 - قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : هذا هو الإقعاء عند العرب .

                                                                                                                        5074 - وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث أنس : أن النبي - عليه السلام - قال له : " يا بني إذا سجدت فأمكن كفيك وجبهتك من الأرض ، ولا تنقر نقر الديك ، ولا تقع إقعاء الكلب ، ولا تلتفت التفات الثعلب " .

                                                                                                                        5075 - فالذي فسر به الإقعاء معمر بن المثنى أولى عندي . والله أعلم .

                                                                                                                        5076 - يقال : أقعى الكلب ، ولا يقال : قعد ، وقعوده إقعاؤه . ويقال : إنه ليس شيء يكون إذا قام أقصر منه إذا قعد إلا الكلب إذا أقعى ; فمن انصرف بين السجدتين على هذا الحال ، وقعد في صلاته على هذه السبيل - فهو الإقعاء المنهي عنه ، المجتمع عليه ; وذلك أن يقعد على أليته ، وينصب رجليه من الجانبين ، فمن فعل هذا فقد فعل ما لا يجوز عند أحد من العلماء .

                                                                                                                        5077 - ومن أوجب الإعادة على فاعل هذا لم يخرج ; لأن فعله طابق النهي ففسد . والله أعلم .

                                                                                                                        5078 - ومن لم ير على فاعل ذلك إعادة فلأنها هيئة عمل قد حصل معها الجلوس ، وهيئة العمل لا يعدم معها العمل . وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية