الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ألم تر إلى الملإ الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال : ذكر لنا - والله أعلم - أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل , وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله – التوراة - وسنة نبيه موسى , ثم إن يوشع بن نون توفي , واستخلف فيهم آخر , فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى , ثم استخلف آخر , فسار فيهم بسيرة صاحبيه , ثم استخلف آخر , فعرفوا وأنكروا , ثم استخلف آخر , فأنكروا عامة أمره , ثم استخلف آخر , فأنكروا أمره كله , ثم إن بني إسرائيل أتوا نبيا من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم , فقالوا له : سل ربك أن يكتب علينا القتال . فقال لهم ذلك النبي : هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا الآية . فبعث الله طالوت ملكا , وكان في بني إسرائيل سبطان ؛ سبط نبوة وسبط مملكة , ولم يكن طالوت من سبط النبوة , ولا من سبط المملكة , فلما بعث لهم ملكا أنكروا ذلك , وقالوا : أنى يكون له الملك علينا ؟ فقال : إن الله اصطفاه عليكم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر , من طريق ابن جريج , عن ابن عباس في قوله : ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى الآية . قال : هذا [ ص: 130 ] حين رفعت التوراة , واستخرج أهل الإيمان , وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم , فلما كتب عليهم القتال , وذلك حين أتاهم التابوت . قال : وكان من بني إسرائيل سبطان ؛ سبط نبوة وسبط خلافة , فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة , ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة , فقال لهم نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا . قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه وليس من أحد السبطين , لا من سبط النبوة , ولا من سبط الخلافة؟ قال : إن الله اصطفاه عليكم الآية . فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم . وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها , وجمع ما بقي , فجعله في التابوت , وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت , والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا , فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه , حتى وضعته عند طالوت , فلما رأوا ذلك قالوا : نعم . فسلموا له وملكوه , وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم ، ويقولون : إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعصا موسى من الجنة . وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية , وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير , عن وهب بن منبه قال : خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون , يقيم فيهم التوراة وأمر الله , حتى قبضه [ ص: 131 ] الله , ثم خلف فيهم كالب بن يوفنا , يقيم فيهم التوراة وأمر الله , حتى قبضه الله , ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي , وهو ابن العجوز , ثم إن الله قبض حزقيل , وعظمت في بني إسرائيل الأحداث , ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله , فبعث إليهم إلياس بن تسبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيا ، وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة , وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له : أحاب . وكان يسمع منه ويصدقه , فكان إلياس يقيم له أمره , وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه , فجعل إلياس يدعوهم إلى الله , وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الملك , والملوك متفرقة بالشام , كل ملك له ناحية منها يأكلها , فقال ذلك الملك لإلياس : ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلا , أرى فلانا وفلانا , يعدد ملوك بني إسرائيل , قد عبدوا الأوثان , وهم يأكلون ويشربون ويتنعمون , ما ينقص من دنياهم , فاسترجع إلياس , وقام شعره , ثم رفضه وخرج عنه , ففعل ذلك الملك فعل أصحابه , وعبد الأوثان ، ثم خلف من بعده فيهم اليسع , فكان فيهم ما شاء الله أن يكون , ثم قبضه الله إليه , وخلفت فيهم الخلوف , وعظمت فيهم الخطايا , وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر , [ ص: 132 ] فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون , وكانوا لا يلقاهم عدو , فيقدمون التابوت , ويزحفون به معهم , إلا هزم الله ذلك العدو . فلما عظمت أحداثهم , وتركوا عهد الله إليهم , نزل بهم عدو , فخرجوا إليه وأخرجوا التابوت كما كانوا يخرجونه , ثم زحفوا به , فقوتلوا حتى استلب من أيديهم , فمرج أمرهم عليهم , ووطئهم عدوهم , حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم , وفيهم نبي يقال له : شمويل . وهو الذي ذكر الله في قوله : ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم الآية . فكلموه وقالوا : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . وإنما كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم , وكان الملك هو يسير بالجموع , والنبي يقوم له بأمره , ويأتيه بالخبر من ربه , فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم , فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم , فسد أمرهم , فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل , ففريقا يكذبون . فلا يقبلون منه شيئا , وفريقا يقتلون , فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . فقال لهم : إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق , ولا رغبة في الجهاد . فقالوا : إنا كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه , إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد , فلا يظهر علينا فيها [ ص: 133 ] عدو فأما إذا بلغ ذلك فإنه لا بد من الجهاد , فنطيع ربنا في جهاد عدونا , ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا . فلما قالوا له ذلك سأل الله شمويل أن يبعث لهم ملكا ، فقال الله له : انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك , فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن , فهو ملك بني إسرائيل , فادهن رأسه منه , وملكه عليهم . فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلا عليه , وكان طالوت رجلا دباغا يعمل الأدم , وكان من سبط بنيامين بن يعقوب , وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيهم نبوة ولا ملك , فخرج طالوت في ابتغاء دابة له أضلته , ومعه غلام , فمرا ببيت النبي عليه السلام , فقال غلام طالوت لطالوت : لو دخلت بنا على هذا النبي , فسألناه عن أمر دابتنا , فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير . فقال طالوت : ما بما قلت من بأس . فدخلا عليه , فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما , ويسألانه أن يدعو لهما فيها , إذ نش الدهن الذي في القرن , فقام إليه النبي عليه السلام , فأخذه ثم قال لطالوت : قرب رأسك . فقربه فدهنه منه , ثم قال : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم , وكان اسم طالوت بالسريانية شاول بن قيس بن أبيال بن صرار بن يحرب بن أفيح بن آيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم , فجلس عنده , وقال الناس : ملك طالوت . فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم . فقالوا له : ما شأن طالوت يملك علينا وليس من بيت النبوة ولا المملكة ؟ قد [ ص: 134 ] عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا . فقال لهم : إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم , من وجه آخر عن وهب بن منبه قال : قالت بنو إسرائيل لشمويل : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . قال : قد كفاكم الله القتال . قالوا : إنا نتخوف من حولنا , فيكون لنا ملك نفزع إليه . فأوحى الله إلى شمويل : أن ابعث لهم طالوت ملكا , وادهنه بدهن القدس . وضلت حمر لأبي طالوت , فأرسله وغلاما له يطلبانها , فجاءوا إلى شمويل يسألونه عنها , فقال : إن الله قد بعثك ملكا على بني إسرائيل . قال : أنا ؟ قال : نعم . قال : وما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ قال : بلى . قال : فبأي آية ؟ قال : بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره . فدهنه بدهن القدس , فقال لبني إسرائيل : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا . قالوا : أنى يكون له الملك الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : إذ قالوا لنبي لهم . قال : شمؤل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال : هو يوشع بن نون . [ ص: 135 ] وأخرج ابن أبي حاتم , من طريق عمرو بن مرة , عن أبي عبيدة : إذ قالوا لنبي لهم . قال : هو الشمول ابن حنة بن العاقر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم , عن السدي في الآية قال : كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة , وكان ملك العمالقة جالوت , وإنهم ظهروا على بني إسرائيل , فضربوا عليهم الجزية , وأخذوا توراتهم , وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه , وكان سبط النبوة قد هلكوا , فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى , فأخذوها فحبسوها في بيت ؛ رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام , لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها , فجعلت تدعو الله أن يرزقها غلاما , فولدت غلاما , فسمته شمعون ، فكبر الغلام , فأسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس , وكفله شيخ من علمائهم وتبناه , فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ , وكان لا يتمن عليه أحدا غيره , فدعاه بلحن الشيخ : يا شماؤل . فقام الغلام فزعا إلى الشيخ , فقال : يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول : لا . فيفزع الغلام , فقال : يا بني ارجع فنم ؛ فرجع فنام , ثم دعاه الثانية , فأتاه الغلام أيضا , فقال : دعوتني؟ فقال : ارجع فنم ؛ فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني . فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال : اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك ؛ فإن الله قد بعثك فيهم نبيا . فلما أتاهم كذبوه , وقالوا : استعجلت بالنبوة , ولم يأن لك . وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله [ ص: 136 ] آية من نبوتك . فقال لهم شمعون : عسى إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا . قالوا : وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله الآية . فدعا الله , فأتي بعصا تكون على مقدار طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا ، فقال : إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا . فقاسوا أنفسهم بها , فلم يكونوا مثلها ، وكان طالوت رجلا سقاء يسقي على حمار له , فضل حماره , فانطلق يطلبه في الطريق , فلما رأوه دعوه , فقاسوه بها , فكان مثلها ، فقال له نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا . قال القوم : ما كنت قط أكذب منك الساعة , ونحن من سبط المملكة , وليس هو من سبط المملكة , ولم يؤت سعة من المال , فنتبعه لذلك ! فقال النبي : إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم . قالوا : فإن كنت صادقا فأتنا بآية أن هذا ملك . قال : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الآية . فأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت , فآمنوا بنبوة شمعون , وسلموا ملك طالوت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير , عن عكرمة قال : كان طالوت سقاء يبيع الماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم , من طريق العوفي , عن ابن عباس في قوله : قالوا أنى يكون له الملك علينا . قال : لم يقولوا ذلك إلا أنه [ ص: 137 ] كان في بني إسرائيل سبطان ؛ كان في أحدهما النبوة وفي الآخر الملك , فلا يبعث نبي إلا من كان من سبط النبوة , ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك , وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين . قال : إن الله اصطفاه عليكم . يعني : اختاره عليكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم , من طريق السدي , عن أبي مالك , عن ابن عباس : وزاده بسطة . يقول : فضيلة . في العلم والجسم . يقول : كان عظيما جسيما , يفضل بني إسرائيل بعنقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه : وزاده بسطة في العلم . قال : العلم بالحرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن وهب في قوله : والجسم . قال : كان فوق بني إسرائيل من منكبيه فصاعدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير , عن مجاهد : [ ص: 138 ] والله يؤتي ملكه من يشاء . قال : سلطانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن وهب , أنه سئل : أنبي كان طالوت ؟ قال : لا , لم يأته وحي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن بشر في " المبتدأ " ، وابن عساكر , من طريق جويبر ومقاتل , عن الضحاك , عن ابن عباس , ومن طريق الكلبي , عن أبي صالح , عن ابن عباس في قوله : ألم تر إلى الملإ . يعني : ألم تخبر يا محمد عن الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أشمويل - ابعث لنا ملكا نقاتل إلى قوله : وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا . يعني : أخرجتنا العمالقة , وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت , فسأل الله نبيهم أن يبعث لهم ملكا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد : ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : هم الذين قال الله : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير : ونحن أحق بالملك منه . قال : لأنه لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : بعث الله لهم طالوت ملكا , وكان من سبط لم تكن فيه مملكة ولا نبوة , وكان في بني إسرائيل سبطان ؛ سبط نبوة [ ص: 139 ] وسبط مملكة , فكان سبط النبوة سبط لاوي , وكان سبط المملكة سبط يهوذا , فلما بعث طالوت من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه , وقالوا : أنى يكون له الملك علينا . قالوا : كيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا المملكة ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة قال : كان في بني إسرائيل رجل له ضرتان ؛ وكانت إحداهما تلد والأخرى لا تلد , فاشتد على التي لا تلد , فتطهرت فخرجت إلى المسجد لتدعو الله , فلقيها حكم بني إسرائيل , وحكماؤهم الذين يدبرون أمورهم , فقال : أين تذهبين؟ قالت : حاجة لي إلى ربي . قال : اللهم اقض لها حاجتها . فعلقت بغلام , وهو الشمول , فلما ولدت جعلته محررا , وكانوا يجعلون المحرر إذا بلغ السعي في المسجد يخدم أهله , فلما بلغ الشمول السعي دفع إلى أهل المسجد يخدم , فنودي الشمول ليلة , فأتى الحكم , فقال : دعوتني ؟ فقال : لا . فلما كانت الليلة الأخرى دعي , فأتى الحكم , فقال : دعوتني ؟ فقال : لا . وكان الحكم يعلم كيف تكون النبوة , فقال : دعيت البارحة الأولى؟ قال : نعم . قال : ودعيت البارحة ؟ قال : نعم . قال : فإن دعيت الليلة فقل : لبيك وسعديك , والخير في يديك , والمهدي من هديت , أنا عبدك بين يديك , مرني بما شئت . فأوحي إليه , فأتى الحكم , فقال : دعيت الليلة ؟ قال : نعم , وأوحي إلي . قال : فذكرت لك بشيء ؟ قال : لا عليك أن لا تسألني . قال : ما أبيت أن تخبرني إلا وقد ذكر لك شيء من أمري . فألح عليه , وأبى أن يدعه حتى أخبره ، فقال : قيل لي : إنه قد حضرت هلكتك , وارتشا ابنك في حكمك . فكان [ ص: 140 ] لا يدبر أمرا إلا انتكث , ولا يبعث جيشا إلا هزم , حتى بعث جيشا , وبعث معهم بالتوراة يستفتح بها فهزموا , وأخذت التوراة , فصعد المنبر , وهو أسيف غضبان , فوقع فانكسرت رجله أو فخذه , فمات من ذلك , فعند ذلك قالوا لنبي لهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله . وهو الشمول ابن حنة العاقر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية