الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب النداء في السفر وعلى غير وضوء

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2 - النداء في السفر وعلى غير وضوء

                                                                                                          كذا زاد يحيى في الترجمة : وعلى غير وضوء ، ولم يتابعه أحد على زيادته ولا في الباب ما يدل عليه وإنما فيه أذان الراكب قاله أبو عمر . 159 156 - ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ) وكان مسافرا فأذن بمحل يقال له ضجنان بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم ونونين بينهما ألف بزنة فعلان غير منصرف ، قال في الفائق : جبل بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا وبهذا يطابق الترجمة ، وقد أخرجه البخاري من طريق عبيد الله بن عمر قال : حدثني نافع قال : أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ( فقال : ألا صلوا في الرحال ) جمع رحل وهو المنزل والمسكن ، قال الرافعي : وقد سمي ما يستصحبه الإنسان في سفره من الأثاث رحلا ، وقال الباجي : لفظ في الرحال يدل على السفر فأذن لهم أن يصلوا بصلاته إذا كان إماما ، ويحتمل أنه أذن لهم أن يصلوا فيها أفذاذا أو يؤم كل طائفة رجل منهم .

                                                                                                          ( ثم قال ) ابن عمر ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول : ألا صلوا في الرحال ) فقاس ابن عمر الريح على المطر ، والعلة الجامعة بينهما المشقة اللاحقة قاله الباجي وقوفا مع هذه الرواية .

                                                                                                          وفي البخاري في الطريق التي ذكرتها : " وأخبرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على أثره : " ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة والمطيرة في [ ص: 285 ] السفر " قال الحافظ : وأو للتنويع لا للشك وظاهره اختصاص ذلك بالسفر ، ورواية مالك مطلقة وبها أخذ الجمهور ، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا ويلحق به من يلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا يلحقه ، قال : وفي صحيح أبي عوانة : ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ، ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخير عن الجماعة ، ونقل ابن بطال فيه الإجماع ، لكن المعروف عند المالكية والشافعية أن الريح عذر في الليل فقط ، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل ، لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة ، وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم ، ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص بعذر الريح في النهار صريحا لكن القياس يقتضي إلحاقه ، وقد نقله ابن الرفعة وجها قال أعني الحافظ : وصريح قوله ، ثم يقول على أثره أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان .

                                                                                                          وقال القرطبي : لما ذكر رواية مسلم بلفظ يقول في آخر ندائه يحتمل أن المراد في آخره قبيل الفراغ منه جمعا بينه وبين حديث ابن عباس ، يعني المروي في الصحيحين عن عبد الله بن الحارث : خطبنا ابن عباس في يوم رزع بفتح الراء وإسكان الزاي ومهملة أي غيم بارد فيه مطر قليل ، وفي رواية : في يوم مطير ، فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة أمر أن ينادى : الصلاة في الرحال فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، فقال : فعل هذا من هو خير مني ، وحمله ابن خزيمة على ظاهره وأنه يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى ; لأن معناها هلموا إلى الصلاة ومعنى صلوا في الرحال تأخروا عن المجيء ، فلا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما قال ; لأنه ندب إلى المجيء من أراد استكمال الفضيلة ولو تحمل المشقة ، ويؤيده حديث جابر في مسلم خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فمطرنا فقال : " ليصل منكم من شاء في رحله " ، وقال النووي في حديث ابن عباس : إن هذه الكلمة تقال في الأذان .

                                                                                                          وفي حديث ابن عمر أنها تقال بعده والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان ، فدل كلامه على أنها ليست بدلا من حي على الصلاة بخلاف كلام ابن خزيمة ، وورد الجمع بينهما في حديث رواه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال : " أذن مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للصبح في ليلة باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا حرج ، فلما قال : الصلاة خير من النوم قالها " انتهى .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : أجاز قوم بهذا الحديث الكلام في الأذان إذا كان لا بد منه ، ورخص فيه قوم مطلقا منهم أحمد ، وكرهه مالك كرد السلام وتشميت العاطس فإن فعل أساء وبنى ، وقاله الشافعي وأبو حنيفة وجماعة ، ولم يقل أحد فيما علمت بإعادته لمن تكلم فيه إلا ابن شهاب بإسناد فيه ضعف انتهى .

                                                                                                          وهذا الحديث رواه [ ص: 286 ] البخاري في صلاة الجماعة عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وتابعه عبيد الله بن عمر بضم العين فيهما عن نافع نحوه كما مر عند البخاري هنا ومسلم في الجماعة .




                                                                                                          الخدمات العلمية