الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3843 ) فصل : وإن قال : له علي درهم بل درهمان ، أو درهم لكن درهمان . لزمه درهمان . وبه قال الشافعي وقال زفر وداود تلزمه ثلاثة ; لأن " بل " للإضراب ، فلما أقر بدرهم وأضرب عنه ، لزمه ; لأنه لا يقبل رجوعه عما أقر به ، ولزمه الدرهمان اللذان أقر بهما . ولنا ، أنه إنما نفى الاقتصار على واحد ، وأثبت الزيادة عليه ، فأشبه ما لو قال : له علي درهم ، بل أكثر . فإنه لا يلزمه أكثر من اثنين .

                                                                                                                                            وإن قال : له علي درهم ، بل درهم ، أو لكن درهم . ففيه وجهان ; أحدهما ، يلزمه درهم واحد ; لأن أحمد قال في من قال لامرأته : أنت طالق ، لا بل أنت طالق : إنها لا تطلق إلا واحدة . وهذا في معناه . وهذا مذهب الشافعي ; لأنه أقر بدرهم مرتين ، فلم يلزمه أكثر من درهم ، كما لو أقر بدرهم ثم أنكره ، ثم قال : بل علي درهم . و " لكن " للاستدراك ، فهي في معنى " بل " إلا أن الصحيح أنها لا تستعمل إلا بعد الجحد ، إلا أن يذكر بعدها جملة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني ، يلزمه درهمان . ذكره ابن أبي موسى وأبو بكر عبد العزيز . ويقتضيه قول زفر وداود ; لأن ما بعد الإضراب يغاير ما قبله ، فيجب أن يكون الدرهم الذي أضرب عنه غير الدرهم الذي أقر به بعده ، فيجب الاثنان ، كما لو قال : له علي درهم ، بل دينار . ولأن " بل " من حروف العطف ، والمعطوف غير المعطوف عليه ، فوجبا جميعا ، كما لو قال : له علي درهم درهم .

                                                                                                                                            ولأنا لو لم نوجب عليه إلا درهما ، جعلنا كلامه لغوا ، وإضرابه عنه غير مفيد ، والأصل في كلام العاقل أن يكون مفيدا . ولو كان الذي أضرب عنه لا يمكن أن يكون المذكور بعده ، ولا بعضه ، مثل أن يقول : له علي درهم ، بل دينار أو ديناران . أو : له علي قفيز حنطة ، بل قفيز شعير . أو : هذا الدرهم ، بل هذان . لزمه الجميع ، بغير خلاف علمناه ; لأن الأول لا يمكن أن يكون الثاني ولا بعضه ، فكان مقرا ، بهما ، ولا يقبل رجوعه عن شيء منهما . وكذلك كل جملتين أقر بإحداهما ثم رجع إلى الأخرى ، لزماه .

                                                                                                                                            وإن قال : له علي درهمان ، بل درهم . أو عشرة ، بل تسعة . لزمه الأكثر ; لأنه أضرب عن واحد ، ونفاه بعد إقراره به ، فلم يقبل نفيه له بخلاف الاستثناء ، فإنه لا ينفي شيئا أقر به ، وإنما هو عبارة عن الباقي بعد الاستثناء ، فإذا قال : عشرة إلا درهما . كان معناه تسعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية