الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 254 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ( 85 ) ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ( 86 ) )

يقول تعالى ذكره : يوم نجمع الذين اتقوا في الدنيا فخافوا عقابه ، فاجتنبوا لذلك معاصيه ، وأدوا فرائضه - إلى ربهم ( وفدا ) يعني بالوفد : الركبان ، يقال : وفدت على فلان : إذا قدمت عليه ، وأوفد القوم وفدا على أميرهم ، إذا بعثوا قبلهم بعثا . والوفد في هذا الموضع بمعنى الجمع ، ولكنه واحد ، لأنه مصدر واحدهم وافد ، وقد يجمع الوفد الوفود ، كما قال بعض بني حنيفة :


إني لممتدح فما هو صانع رأس الوفود مزاحم بن جساس



وقد يكون الوفود في هذا الموضع جمع وافد ، كما الجلوس جمع جالس .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، في قوله ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ، ولا يساقون سوقا ، ولكنهم يؤتون بنوق لم ير الخلائق مثلها ، عليها رحال الذهب ، وأزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن أبي هريرة ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : على الإبل . [ ص: 255 ]

حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) يقول : ركبانا .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي ، قال : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن صورة ، وأطيبها ريحا ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول : لا إلا أن الله طيب ريحك وحسن صورتك ، فيقول : كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا ، فاركبني أنت اليوم ، وتلا ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ( إلى الرحمن وفدا ) قال : وفدا إلى الجنة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : على النجائب .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) قال : على الإبل النوق .

وقوله ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) يقول تعالى ذكره : ونسوق الكافرين بالله الذين أجرموا إلى جهنم عطاشا ، والورد : مصدر من قول القائل : وردت كذا أرده وردا ، ولذلك لم يجمع ، وقد وصف به الجمع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) يقول : عطاشا .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن أبي هريرة ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) قال : عطاشا .

حدثني يعقوب والفضل بن صباح ، قالا ثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت الحسن يقول في قوله ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) قال : عطاشا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إلى جهنم وردا ) قال : ظماء إلى النار .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) سوقوا إليها وهم ظمء عطاش .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) قال : عطاشا .

التالي السابق


الخدمات العلمية