الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أمن يجيب المضطر إذا دعاه وهو الذي أحوجته شدة من الشدائد وألجأته إلى اللجأ والضراعة إلى الله عز وجل، فهو اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من الضرورة، ويرجع إلى هذا تفسير ابن عباس له بالمجهود، وتفسير السدي بالذي لا حول ولا قوة له، وقيل: المراد بذلك المذنب إذا استغفر، واللام فيه على ما قيل: للجنس لا للاستغراق حتى يلزم إجابة كل مضطر وكم من مضطر لا يجاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز حمله على الاستغراق لكن الإجابة مقيدة بالمشيئة كما وقع ذلك في قوله تعالى: فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ، ومع هذا كره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يقول الشخص: اللهم اغفر لي إن شئت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عليه الصلاة والسلام: «إنه سبحانه لا مكره له».

                                                                                                                                                                                                                                      ، والمعتزلة يقيدونها بالعلم بالمصلحة لإيجابهم رعاية المصالح عليه جل وعلا، وقال صاحب الفرائد: ما من مضطر دعا إلا أجيب وأعيد نفع دعائه إليه إما في الدنيا وإما في الآخرة، وذلك أن الدعاء طلب شيء. فإن لم يعط ذلك الشيء بعينه يعط ما هو أجل منه أو إن لم يعط هذا الوقت يعط بعده اهـ.

                                                                                                                                                                                                                                      وظاهره حمله على الاستغراق من دون تقييد للإجابة، ولا يخفى أنه إذا فسرت الإجابة بإعطاء السائل ما سأله حسبما سأل لا بقطع سؤاله سواء كان بالإعطاء المذكور أم بغيره لم يستقم ما ذكره، وقال العلامة الطيبي: التعريف للعهد لأن سياق الكلام في المشركين يدل عليه الخطاب بقوله تعالى: ويجعلكم خلفاء والمراد التنبيه على أنهم عند اضطرارهم في نوازل الدهر وخطوب الزمان كانوا يلجأون إلى الله تعالى دون الشركاء والأصنام، ويدل على التنبيه قوله تعالى: أإله مع الله قليلا ما تذكرون قال صاحب المفتاح: كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله تعالى دون أصنامهم، فالمعنى إذا حزبكم أمر أو قارعة من قوارع الدهر إلى أن تصيروا آيسين من الحياة من يجيبكم إلى كشفها ويجعلكم بعد ذلك تتصرفون في البلاد كالخلفاء أإله مع الله فلا يكون المضطر عاما ولا الدعاء فإنه مخصوص بمثل قضية الفلك، وقد أجيبوا إليه في قوله تعالى: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم الآية اهـ.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 7 ] وأنت تعلم أنه بعيد غاية البعد، ولعل الأولى الحمل على الجنس والتقييد بالمشيئة وهو سبحانه لا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة، والدعاء بشيء من قبيل أحد الأسباب العادية له فافهم ويكشف السوء أي يرفع عن الإنسان ما يعتريه من الأمر الذي يسوءه، وقيل: الكشف أعم من الدفع والرفع، وعطف هذه الجملة على ما قبلها من قبيل عطف العام على الخاص، وقيل: المعنى ويكشف سوءه أي المضطر، أو ويكشف عنه السوء والعطف من قبيل عطف التفسير فإن إجابة المضطر هي كشف السوء عنه الذي صار مضطرا بسببه وهو كما ترى.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجعلكم خلفاء الأرض أي خلفاء من قبلكم من الأمم في الأرض بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها بعدهم، وقيل: المراد بالخلافة الملك والتسلط، وقرأ الحسن ونجعلكم بنون العظمة أإله مع الله الذي هذه شؤونه ونعمه تعالى قليلا ما تذكرون أي تذكرا قليلا، أو زمانا قليلا تتذكرون- فقليلا- نصب على المصدرية، أو على الظرفية لأنه صفة مصدر أو ظرف مقدر، وما- مزيدة على التقديرين لتأكيد معنى القلة التي أريد بها العدم، أو ما يجري مجراه في الحقارة وعدم الجدوى، ومفعول تذكرون محذوف للفاصلة، فقيل: التقدير تذكرون نعمه، وقيل: تذكرون مضمون ما ذكر من الكلام، وقيل: تذكرون ما مر لكم من البلاء والسرور، ولعل الأولى نعمه المذكورة، وللإيذان بأن المتذكر في غاية الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه كان التذييل بنفي التذكر، وقرأ الحسن والأعمش وأبو عمرو- يذكرون- بياء الغيبة، وقرأ أبو حيوة- «تتذكرون» - بتاءين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية