الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أن دعوا للرحمن ولدا ( 91 ) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( 92 ) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ( 93 ) ) [ ص: 260 ]

يقول تعالى ذكره : وتكاد الجبال أن تخر انقضاضا ، لأن دعوا للرحمن ولدا . ف "أن" في موضع نصب في قول بعض أهل العربية ، لاتصالها بالفعل ، وفي قول غيره في موضع خفض بضمير الخافض ، وقد بينا الصواب من القول في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقال ( أن دعوا للرحمن ولدا ) يعني بقوله : ( أن دعوا ) : أن جعلوا له ولدا ، كما قال الشاعر :


ألا رب من تدعو نصيحا وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر



وقال ابن أحمر :


أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها     وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا



وقوله ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) يقول : وما يصلح لله أن يتخذ ولدا ، لأنه ليس كالخلق الذين تغلبهم الشهوات ، وتضطرهم اللذات إلى جماع الإناث ، ولا ولد يحدث إلا من أنثى ، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه ، وذلك كقول ابن أحمر :


في رأس خلقاء من هنقاء مشرفة     ما ينبغي دونها سهل ولا جبل



يعني : لا يصلح ولا يكون .

( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) يقول : ما جميع من في السماوات من الملائكة ، وفي الأرض من البشر والإنس والجن [ ص: 261 ] ( إلا آتي الرحمن عبدا ) يقول : إلا يأتي ربه يوم القيامة عبدا له ، ذليلا خاضعا ، مقرا له بالعبودية ، لا نسب بينه وبينه .

وقوله ( آتي الرحمن ) إنما هو فاعل من أتيته ، فأنا آتيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية